الأمر الثاني : التكليف بغير المقدور :
إنّ التكليف بغير المقدور أو بما لا يطاق ولا يتحمل عادة أمر تنكره البداهة والوجدان ، ويستقبحه العقل السليم الحاكم بأنّ المأمور غير مستطيع وقادر على إيجاد الفعل غير المقدور ، وذلك لعدم انقداح الشوق أو الإرادة في لوح نفسه فلا تبلغ ـ أي الإرادة ـ درجة تصور الفعل والتصديق بفائدته مما لا يستدعي تحرّك العزم والجزم ، فهل يمكن للإنسان أن يطلب الثمرة من الشجرة اليابسة ، أو المطر من الأحجار والأتربة الجامدة؟! كلا ، لذا قال المحققون :
إن مرجع التكليف بما لا يطاق يعود إلى كون نفس التكليف محالا وأن الإرادة الجدية لا تنقدح في ضمير الآمر العرفي فكيف بالآمر الإلهي المولى الحقيقي ، ومع هذا فقد أجاز الأشاعرة أن يكلّف الباري عباده بما لا يطيقون وستأتي أدلتهم.
أما الإمامية فقد عدّوا ذلك مستحيلا بحقه تعالى بوجهين :
الوجه الأول :
إن التكليف بغير المقدور أمر قبيح عقلا صدوره عن المولى لأنّ ضرورة العقل تمنع أن يكلّف العبد بما لا قدرة عليه ولا طاقة له به كأن يكلّفه أن يطير في السماء أو أن يدخل الجمل في خرم الإبرة.
الوجه الثاني :
أنه سبحانه نفي بصريح الآيات عدم تكليفه العبد بما لا يطيق (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (البقرة / ٢٨٧) (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) (الطلاق / ٨).
فإذا نفى عزوجل عن نفسه ذلك فكيف يثبت له الأشاعرة ما هو بريء منه؟!
الأدلة على التكليف بغير المقدور :
استدلّ الأشاعرة على جواز التكليف بغير المقدور بأدلة نقلية وأهملوا العقلية ، والسر فيه أن العقل يحكم بعكس ما يدّعون ولأنهم ينفون كما مرّ سابقا مسألة الحسن والقبح العقليين.
من الآيات التي استدلّوا بها :
الآية الأولى : قوله تعالى : (أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) (هود / ٢١).