المكلّف ، فإذا ارتفع التكليف قصورا نتيجة موانع ذاتية وعرضيّة فحينئذ ترتفع المؤاخذة. ويظهر من كلام الآخوند «عليه الرحمة» في الكفاية أن استحقاق العقاب أثر عقليّ له مع أنه متفرع على المخالفة بقيد العمد ، وبما أنّ الجاهل القاصر غير متعمد لترك التكليف فلا يكون عاصيا بجهله ، لأنّ التكليف غير منجّز بحقه فلا يكون موضوعا لحكم العقل باستحقاق العقوبة على المخالفة ، لأنّ موضوع حكم العقل باستحقاق العقوبة هو الظلم على المولى والخروج عن رسوم العبودية ، وذلك يتحقق بمخالفة التكليف المنجز وهو الواصل الى المكلّف دون غير الواصل ، فإنه ليس موضوعا لحكم العقل باستحقاق العقوبة على مخالفته ، فلا مؤاخذة على التكليف المجهول أو غير الواصل للمكلّف لموانع ذاتية أو عرضية.
وتارة يكون مقصّرا أي قادرا على تحصيل العلم عبر السؤال من أهل الذكر ولكنه ترك عمدا وإهمالا ، فهذا مما لا ريب أنه يستحق العقاب عقلا وشرعا ، إذ المكلّف لو التفت [إلى أنّه لم يخلق هملا ولم يترك سدّى باعتباره مؤمنا بالله وبرسالاته وحججه عليهمالسلام] ، لا بدّ أن يحصل لديه علم إجمالي بتكاليف فعلية كثيرة هو جاهل بها فعليه الفحص للحصول عليها ، ولا مجال للأخذ بالبراءة العقلية كقبح العقاب بلا بيان ، لأنّ البيان موجود وإنما حصل تقصير عند المكلّف بحيث لم يرجع إليه بسؤال العلماء ، ولذا لم تقبح عقلا مؤاخذته لتقصيره.
ويستدل أيضا على عدم معذورية الجاهل المقصّر بأمور :
الأول : الإجماع القطعي الدالّ على عدم جواز العمل بأصل البراءة قبل استفراغ الوسع في الأدلة ، فلا يحق للمكلّف أن يجري أصالة عدم التكليف بكل ما يشك به بل عليه أن يفحص ويسأل لئلا يقع في محذور المخالفة القطعية.
الثاني : الأدلة الدالة على وجوب التعلّم كآية النفر بقوله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة / ١٢٢).
تثبت الآية المباركة وجوب التفقه على جماعة بحيث يتعلّمون أحكام الدين والتفقه في شريعة سيد المرسلين ثم هؤلاء بدورهم يرجعون إلى ديارهم لينذروا أهاليهم وأقوامهم ، وليس معنى هذا أنّ على المتفقّه أن يدخل بيوت المؤمنين فردا فردا ليعلّمهم أحكام دينهم ، بل المراد أنه عليه أن يبسط عليهم أحكام الدين وعليهم أن يسألوه عما يحتاجون إليه من معرفة أمور الدين ، لأنه إذا وجب على