ومن هنا تعلم أن التكليف حسن لأنّ أفعاله تعالى معلّلة بالأعراض إذ لو لم يكن التكليف حسنا ولغرض وفائدة ما لم نطّلع عليها لكان ذلك عبثا وهو محال ، ولو كان لغرض [وهو كذلك] فإن كان عائدا إليه تعالى لزم المحال لأنه يستلزم الحاجة والنقص في ذاته تعالى وإن كان الغرض عائدا إلى غير المكلّف كان قبيحا أيضا لأنّ تعذيب شخص لنفع غيره قبيح ، فلا بدّ من أن يكون الغرض عائدا إلى نفس المكلّف وهو المطلوب.
إشكال :
قد تقول : لما ذا لا يعطي الله سبحانه الثواب من دون تكليف أليس ذلك أحسن من التكليف بالمشاق؟
والجواب :
أولا : إن الثواب الذي يعطيه عزوجل للعبد ، يعطيه مع التعظيم ، والتعظيم يستدعي التكليف ، إذ كيف يعظّم من لم يجد طعم المشقة والعناء ، لذا يقبح عندنا تعظيم الأراذل والأطفال لعدم القابلية على التكليف المستدعي لما ذكرنا. فثبت أن التعظيم إنما يحسن للمستحق له دون غيره.
ثانيا : ان الله سبحانه خلق الجن والإنس ليعبدوه (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فإذا عبدوه استحقوا الثواب ، والعبادة لا تكون إلّا بأداء ما أمروا به والانتهاء عما زجروا عنه وليس هذا إلّا التكليف المترتّب عليه نوع مشقة التي تستدعي ترتب الثواب أو التعريض له.
ثالثا : أراد سبحانه من العباد أن يعرفوه مختارين لا ملجئين ، والاختيار يستدعي التكليف لتركب الإنسان من العقل والشهوة المقتضيين للمنازعة ، والتكليف يستتبع التمحيص والتسابق إلى الرحمة والتفاضل في الجنة. جاء في الحديث القدسي : «كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف».
عرفنا أن التكليف حسن لكن هل هو واجب على الحكيم؟
قال الأشاعرة : إنّ التكليف تفضّل يفعله الباري أو يتركه.
وقالت الإمامية : إن التكليف واجب على الحكيم من باب اللطف أي أن حكمته سبحانه اقتضت أن يكلّف العبد ليحصل الغرض به.
واستدلوا عليه بوجهين :
الأول : لو لم يجب التكليف لزم الإغراء بالقبيح وهو محال عليه تعالى.