والسيطرة على مقدّراتهم الطبيعية والفكرية.
والمتصفح للتاريخ الإسلامي يرى طائفتين من النصوص غير النبوية الكاشفة عن تصرفات متناقضة لبعض صحابة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم :
الطائفة الأولى : تنبذ وترفض فكرة الجبر.
الطائفة الثانية : تثبت وتتبنّى هذه الفكرة الفاسدة.
فمن الأولى : ما روي أنّ عمر بن الخطاب خرج إلى الشام غازيا عام ١٧ للهجرة حتى إذا كان بسرغ لقيه الأمراء ، فأخبروه أن الأرض سقيمة ، فأرجع بالناس فإنه بلاء وفناء.
فقال : أيها الناس إني راجع فارجعوا.
فقال له أبو عبيدة الجرّاح : أفرارا من قدر الله؟
قال نعم ... فرارا من قدر الله إلى قدر الله ... أرأيت لو أنّ رجلا هبط واديا له عدوتان ، إحداهما خصبة والأخرى جدبة ، أليس يرعى من رعى الجدبة بقدر الله ويرعى من رعى الخصبة بقدر الله ثم قال : لو غيرك يقول هذا يا أبا عبيدة ، فبينا الناس على ذلك إذ أتى عبد الرحمن بن عوف ، وقال : سمعت رسول الله يقول :
إذا سمعتم بهذا الوباء ببلد فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع وأنتم به فلا تخرجوا فرارا منه ولا يخرجنّكم إلّا ذلك ثم انصرف عمر وانصرفوا (١).
ومن الثانية : ما رواه الواقدي عن أم الحارث الأنصارية أنها رأت عمر بن الخطّاب في وقعة حنين عند ما انهزم المسلمون ، فقالت له ما هذا؟ قال عمر : أمر الله (٢).
وروي من أن عائشة قالت عند ما تعرّض الخوارج للإمام على عليهالسلام في النهروان :
«ما يمنعني ما بيني وبين علي أن أقول الحق ، سمعت النبي يقول : تفترق أمتي على فرقتين ، تمرق بينهما فرقة محلّقون رءوسهم يحفون شواربهم ، أزرهم إلى أنصاف سوقهم ، يقرءون القرآن لا يتجاوز تراقيهم ، يقتلهم أحبّهم إليّ وأحبّهم
__________________
(١) تاريخ الطبري : ج ٣ ص ١٥٩ باختصار.
(٢) المغازي للواقدي : ج ٣ ص ٩٠٤.