(وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف / ٢٩).
(وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (الزخرف / ٢١).
إذن مبدأ الجبر له جذور تاريخية قبل الإسلام ثم بعده بقي معششا في عقول كثير من المسلمين الذين لم يتعمّقوا بمبادىء روحية الدين الحنيف.
فالحافز عند المشركين وبعض المسلمين في تلك الحقبة الزمنية لنشر فكرة الجبر هو تدعيم شرورهم بمنطق الدين والأمر الإلهي لهم بذلك لا سيما بنو أميّة حيث شيّدوا بنيان عقائد الجبر بشتى أنواعه لإعطاء الشرعية على سلطنتهم وملكهم ولإخماد كل ثورة تطلّ عليهم بين الحين والآخر.
هذه نظرة وجيزة على مسألة التقدير ومساوقتها للجبر عند الجاهلين (سواء كانوا في عهد الرسالة أم من المتأخرين عنها) الذين لم يتربّوا على الاعتقادات الحقة المقتبسة من مشكاة العترة الطاهرة ، بحيث لم ترتو أحشاؤهم من مفاهيم الإسلام الأصيل المتمثل بقرين الكتاب على رأسهم بطل الإنسانية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب روحي فداه وعليهالسلام ، مما جعل تصرفاتهم حجة عند المستشرقين والمستعمرين.
وقبل بيان ما أفاده المصنف (قدسسره) لا بدّ من توضيح أمور :
الأمر الأول : في معاني القضاء والقدر :
أما لغة «فالقضاء» : هو فصل الأمر والفراغ منه.
قال الراغب الأصفهاني :
«القضاء» فصل الأمر قولا كان ذلك أو فعلا ، وكلّ واحد منهما على وجهين : إلهي وبشري. فمن القول الإلهي (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء / ٢٤) أي أمر بذلك.
وقال : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) فهذا قضاء بالإعلام والفصل في الحكم أي أعملناهم وأوحينا إليهم وحيا جزما.
ومن الفعل الإلهي قوله تعالى : (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ) وقوله تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) إشارة إلى إيجاده