التزمنا بالجبر ولزوم صدور الفعل لزم انقلاب علمه جهلا إذ المعلوم كون الفعل صادرا عن الاختيار ، والواقع صدوره جبرا (١).
ثانيا : إنّ علمه تعالى لا يعدّ علة لتحقق الفعل وإيجاده خارجا ، تماما كعلمنا بأننا سنفعل كذا وكذا فلا يكون هذا العلم علة لذلك الفعل لأنّ حقيقة العلم هي انكشاف الواقع على ما هو عليه ، ولا ربط لانكشاف الواقع بصدور ذلك الفعل ليكون علة للعلم.
وبتعبير فلسفي آخر : إن علمه تعالى فعلي لا انفعالي أي أن علمه سبحانه ليس تابعا للمعلوم بل المعلوم تابع له.
ثالثا : إن علمه تعالى لو كان علة لم يكن هناك حاجة إلى الإرادة وقد قال تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) وغيرها من الآيات حتى جعلت الإرادة غير العلم ، لذا اتفق المتكلمون على أن من صفاته الذاتية : العلم والإرادة.
رابعا : علم الله تعالى الأزلي بضرورة وجود الحادث بخصائصه المعيّنة لا يوجب الجبر» لأنّ علمه تعالى منذ الأزل إنما تعلّق بصدور كل معلول من علته الخاصة به ، وعلمه عزوجل بأفعال الإنسان إنما تعلّقت بصدورها منه باختياره وإرادته. وهذا قد تقدم في التفسير الثاني بعينه فلا نعيد.
زبدة المخض :
انه سبحانه وهب الإنسان نعمة العقل والإرادة والاختيار وهداه إلى طريق السعادة فأرسل له السفراء والحجج تأكيدا لتلك الإرادة وإلّا لو كان مجبرا لما أرسل الرسل وأنزل الكتب ما دام الإنسان مسيرا لا مخيرا ، إذن ليس هناك أحد يقرّر للإنسان مصيره وان علم الله بمستقبلنا لا يضرّ باختيارنا وحريتنا.
التفسير الرابع :
التقدير المحتوم وغير المحتوم.
ويعبّر عنهما ب «الأجل المسمّى وغير المسمّى» كما في قوله تعالى : (ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) فهما أجلان :
__________________
(١) الجبر والاختيار للروحاني : ص ٥٨.