يعرّف به ، كذلك المعرفة هي من المفاهيم الواضحة التي تستغني عن التعريف ، وإن عرّفت فهو ليس تعريفا حقيقيا وإنما هو تعيين المصداق منها.
التنبيه الثاني : الغاية من المعرفة :
إنّ كلّ ممكن يرتكز على غاية وهدف ، لأجل هذه الغاية أو الهدف خلقه بارئ الوجود وإلّا يعدّ خلقه عبثا يتنزه عنه الخالق العظيم والمكوّن الحكيم ، فهذه الممكنات من الذرّة إلى المجرّة تسير نحو هدف رسمه لها البارئ عزّ اسمه لتنال سعادتها وكمالها اللّذين أرادهما سبحانه بمقتضى رحمته لكي يسعد بهما الممكن كلّ بحسبه واستعداده ، فهذه المادة الصمّاء بنظرنا هي في الواقع حيّة ذات شعور تسبّح خالقها (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) (الإسراء / ٤٤) ، (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (التغابن / ١) وتسبيحها يعني تكاملها نحو الهدف المنشود لها وهي حبّ خالقها ومدبّرها. وتسبيح الكائنات لربّها دليل معرفتها به سبحانه وإلّا فما معنى تسبيحها لمجهول؟!
والإنسان هذا الكائن المركّب من روح ومادة ، سعى دائما ويسعى نحو معرفة خالقه ومدبره إلّا القليل ممن لم يتجرّد عن جلباب المادة فوقع أسيرا لها تتقاذفه يمينا وشمالا ، من هذا المنطلق كانت البشرية منذ نشأتها تربط وجودها بمن أوجدها ، فحاولت التعرّف عليه عن طريق ما أودعه سبحانه فيها من هبة العقول التي بها يصل الحائر إلى شاطئ الرحمة الإلهية.
وحيث إنّ الإدراكات العقلية عند البشر متفاوتة قوة وضعفا ، طرأت شكوك عند بعضهم جرّت إلى طرح وإهمال كثير من المسائل التي هي موضع اهتمام واطمئنان لدى أفرادها ، مما دعا ثلة من المؤمنين بخط الأنبياء إلى وضع أسس فكرية يمكن بواسطتها الذبّ والدفاع عن الأصول التوحيدية لخالق الكون الذي لا يمكن معرفته بالحسّ ، فلا بدّ من الاستدلال على وجوده (وإن كان سبحانه موجودا إذا عميت عين لا تراه عليها رقيبا) بشيء غير حسّي أعني العقل أو المعرفة الحصولية المبتناة على الأسس العقلية الفلسفية.
لذا نقول : إن للمعرفة غايتين :
الأولى : غاية تثقيفية إشراقية ؛ والمراد منها تثقيف وإشراق الفكر عند المرء