إضافة إلى أننا لا يمكننا أن نفرّق العلم الإلهي إلى إجمالي وتفصيلي ، بل علمه تعالى تفصيلي دائما لإحاطته بمن خلق إحاطة تامّة تفصيلية (قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً).
الأمر الثالث : هل يغيّر الدعاء القضاء؟
مسألة تغيير القضاء غير المحتوم بواسطة الدعاء وأعمال البرّ والإحسان من المسائل الحيوية عند الشيعة الإمامية ، وهي موضع خلاف عند الديانات الأخرى ، فالمسيحيون يعتقدون بمشروعية الدعاء بل أساس ديانتهم مبنيّة على التضرّع والاستغاثة بالنبي عيسى وأمّه مريم بنت عمران عليهماالسلام بل إن مريم نفسها إنما لقّبت بالبتول لكثرة عبادتها وانقطاعها بالدعاء إليه تعالى ، فأكثر توسّل النصارى بهما وانقطاعهم إليهما في الكنائس والخلوات.
وأمّا اليهود فلا يعتقدون بمشروعية الدعاء بحجة أنه لا يتطرّق أي تغيير أو تبديل في عالم الواقع لأنه سبحانه ـ بزعمهم ـ حينما خلق الخلق قدّر الأمور ثم فرغ من الأمر فلا يغيّر ولا يبدّل بل إنه إنما قضى بذلك قضاء قاطعا ، ومقتضى ذلك خروج أمرها من يده ويؤكد ما نسب إليهم من عدم مشروعية الدعاء ما ورد في الأخبار المتكثرة منها ما ورد عن يعقوب بن شعيب قال :
سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) قال عليهالسلام : ليس كذا ، ومال بيده إلى عنقه ولكنهم قالوا : فرغ من الأشياء.
وفي تعبير آخر : فرغ مما هو كائن لعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان (١).
وقد سرت هذه الشبهة اليهودية إلى أكثر شبابنا حيث نفوا تأثير الدعاء في تغيير الأوضاع من الأسوأ إلى الأحسن والأفضل ، فما نفع أو فائدة الدعاء في شفاء مريض أو هطول مطر أو ردّ بلاء فالمريض إذا كان قابلا للشفاء فسيشفى بتناول الدواء وكذا هطول المطر لا يتم إلّا إذا كانت الأجواء مناسبة ، وهكذا بقية الأمور قاسوها بمقياس مادي يهودي محض.
قد تقول : ما هي الأمور القابلة للتغيير؟
والجواب : إن الأشياء المقدّرة في علمه تعالى على نوعين :
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٤ ص ١١٧ ح ٤٨ ـ ٤٩.