النوع الأول :
القدر المحتوم الذي لا يتغير قطّ مهما تضرّع الفرد المؤمن ومهما بلغ من الكمال الروحي والنفسي ، فإنّ مشية الله تعالى اقتضت أن لا يستجيب لتغييره لأنه أمر قطعي حتمي لا مفرّ منه وهو الموت المفروض على كل ممكن ، فمهما عاش الفرد من السنين فإنّ مصيره الموت المحتم قال سبحانه : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) فكل شيء سيموت ولا يبقى إلّا وجه الرب ذو الجلال والإكرام (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٧) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٨)) إذن هذه المقدّرات التي كتب عليها الفناء لا يمكن أن يغيّرها دعاء البتة.
النوع الثاني :
القدر غير المحتوم ويشمل كل المقدّرات غير الموت وطلب المحال فإنه قد يتغير بالدعاء أو الصدقة أو العمل الصالح الخ ...
ومنه على سبيل المثال لا الحصر ، ما لو قدّر سبحانه لعبد ما ـ بتقدير قابل للتغيير ـ أن يكون سفيها أو مريضا بشرط عدم سعي الفرد لإصلاح أمره أو جسده ، فهذا التقدير المتغير المشروط باستمرار حالته العادية التي هو عليها من دون إثابة أو توبة أو تضرّع وابتهال وخشوع وخضوع وصدقة وصلة رحم الخ ... فمثل هكذا شخص إن بقي على ما هو عليه فلا بدّ من إبقاء القضاء الأول عليه وهو أن يبقى مريضا أو سفيها حتى يدعو أو يتضرع أو يسعى إلى تحسين وضعه ويكون هذا بدوره من القضاء المحتوم ، والله جلّ جلاله يعلم منذ الأزل أيّ مصير سيحكم هذا الرجل هل أنه سيتوب أو يتوسل بالدعاء أو الصدقة أو غيرهما من وجوه البرّ والإحسان أو أنه سيبقى على وضعه الأول ، فالمسألة تدخل في علم الله الأزلي وعلى المرء أن يسعى إلى الكمال عن طريق الأمور المذكورة لعلّ القضاء المحتوم بإتيان إحداها.
شبهة وحل :
قد تثار شبهة مفادها : أنه لا داعي للدعاء للمريض ما دام الأمر لا يخلو من شيئين:
الأول : إمّا أن يكون في علمه تعالى الأزلي مكتوب له الشفاء فحينئذ لا داعي ولا فائدة لدعائه بالشفاء.