عود على بدء :
بعد تمهيدنا للأمور الثلاثة الآنفة الذكر لا بدّ من العودة إلى النقاط التي تعرّض لها المصنف (قدسسره) وهي ثلاث :
نظرية الجبر الأشعرية.
نظرية التفويض المعتزلية.
نظرية الأمر بين الأمرين الإمامية.
النقطة الأولى : الجبر الأشعري :
قبل بيان أدلتهم المقرّرة ، نودّ التعرّف على الطوائف المنتسبة للإسلام من غير الأشاعرة ، ممن يقول بالجبر ، مع إهمالنا لبيان الجبر المادي والفلسفي اللذين يعتقد بهما أصحاب المدرسة المادية الإلحادية ، فإن لهذا مجالا آخر.
وقد عرفنا في بادئ الأمر أنّ هناك جماعة من أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أمثال عمر بن الخطاب ومعاوية وغيرهما كانوا يروّجون لفكرة الجبر ، ويرجع الفضل في تثبيت دعائم فكرة الجبر إلى معاوية بن أبي سفيان لتدعيم حكمهم كما أسلفنا سابقا حتى بالغوا في ترويجها مما ألجأهم الأمر إلى قتل من يرفضها ، فيروى أن معبد الجهني وغيلان الدمشقي اللذان رفضا فكرة الجبر قتلا على يد الحجّاج بن يوسف الثقفي وهشام بن عبد الملك.
ثم تسلسلت فكرة الجبر إلى أن تسلّمها أبو الحسن الأشعري وقلّده فيها جمهور العامة لذا ينسبون إليه بالعقائد فيقال إنهم أشعريون أصولا وأحناف أو مالكون أو حنبليون فروعا.
أما المنكرون منهم لمسألة الجبر هم جماعة قليلون نذكر منهم :
١ ـ أبو المعالي الجويني الشافعي المتوفى سنة ٤٧٨ ه ، كان من المعتقدين بتأثير قدرة العباد في أفعالهم ، وأنّ قدرتهم تنتهي إلى قدرة الله ؛ وقال بوجود الأسباب والمسبّبات في النظام الكوني.
وهذا نص عبارته : «أما نفي هذه القدرة والاستطاعة فمما يأباه العقل والحس ، وأما إثبات قدرة لا أثر لها بوجه فهو كنفي القدرة أصلا ، وأما إثبات تأثير في حالة لا يفعل فهو كنفي التأثير خصوصا والأحوال على أصلهم لا توصف بالوجود والعدم فلا بدّ إذن من نسبة فعل العبد إلى قدرته حقيقة لا على وجه