الإحداث والخلق ، فإنّ الخلق يشعر باستقلال إيجاده من العدم ، والإنسان كما يحسّ من نفسه الاقتدار يحس من نفسه أيضا عدم الاستقلال ، فالفعل يستند وجوده إلى القدرة ، والقدرة يستند وجودها إلى سبب آخر تكون نسبة القدرة إلى ذلك السبب كنسبة الفعل إلى القدرة ، وكذلك يستند سبب إلى سبب آخر حتى ينتهي إلى مسبّب الأسباب فهو الخالق للأسباب ومسبباتها المستغني على الإطلاق فإن كل سبب مهما استغنى من وجه محتاج من وجه ، والباري تعالى هو الغني المطلق الذي لا حاجة له ولا فقر» (١).
٢ ـ الشيخ الشعراني المتوفى عام ٩٧٣ ه.
قال : «اعلم يا أخي إنّ هذه المسألة من أدق مسائل الأصول وأغمضها ولا يزيل إشكالها إلّا الكشف الصوفي ، أما أرباب العقول من الفرق فهم تائهون في إدراكها ، وآراؤهم فيها مضطربة إذ كان أبو الحسن الأشعري يقول : ليس للقدرة الحادثة (يقصد قدرة العبد) أثر ، وإنما تعلّقها بالمقدور مثل تعلّق العلم بالمعلوم في عدم التأثير» (٢) ثم قال : ملخّص الأمر إنّ من زعم أنه لا عمل للعبد فقد عاند ، ومن زعم أنه مستبد بالعمل فقد أشرك ، فلا بدّ أنه مضطر على الاختيار (٣).
٣ ـ الشيخ محمّد عبده توفي عام ١٣٢٣ ه.
وقد عرف الشيخ عبده بمخالفته للسائد عند قومه ووافق الإمامية القائلين بتأثير قدرة العبد في فعله ولم يبال بالترهات وبما كان يردده القوم على الألسن :
ومن يقل بالطبع أو بالعلّة فذاك كفر عند أهل الملّة (٤).
الفرق الجبرية :
«الجبر» كما عرّفه الشهرستاني : هو نفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته إلى الرب تعالى (٥).
ثم إنّ الجبريّة على أقسام :
__________________
(١) الملل والنحل للشهرستاني : ج ١ ص ٩٨ ـ ٩٩.
(٢) الملل والنحل للسبحاني : ج ٢ ص ١٥٢.
(٣) اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر للشعراني : ص ١٣٩ ـ ١٤١.
(٤) الملل والنحل للسبحاني : ج ٢ ص ١٥٤.
(٥) الملل والنحل للشهرستاني : ج ١ ص ٨٥.