إنّ أفعال العباد مخلوقة للباري حقيقة ، والعبد مكتسبها حقيقة (١).
فالفرقتان الأخيرتان تقران بالكسب ، وحقيقة الكسب راجع إليهما وتبعهم على ذلك أبو الحسن الأشعري ، لتقدّمهما على الأخير المتوفي سنة ٣٢٤ ه.
والحافز الذي دعاهم للقول بنظرية الكسب المضافة إلى الجبر هو هروبهم من الإشكالات المتوجهة إلى عقيدة الجبر.
أما ما هو الكسب الذي اضطربت عبارات القوم في تفسيره حتى صار من الألغاز التي يعسر فهمها إلّا على الأوحدي؟
أقول : قد عرّفه القوم بأنّه عبارة عن قيام الباري بإيجاد الفعل مقارنا لإرادة العبد وقدرته من دون أن يكون لقدرة العبد تأثير.
قال القوشجي أحد علماء العامة في شرحه على كشف المراد ص ٤٤٥ ط قم :
«المراد بكسبه إياه ، مقارنته لقدرته من غير أن يكون هناك منه تأثير أو مدخل في وجوده سوى كونه محلا له».
توضيح ذلك بالتقرير التالي :
لا شك أن الكسب عند الأشاعرة ما هو إلّا عبارة عن قدرة الإنسان على الفعل ، حيث نرى بالوجدان فرقا بين المتكلم والأخرس وفي نفس الوقت توجد إلى جانب قدرة الإنسان هذه قدرة الله تعالى لأنه قادر على كل مقدور ، وبما أنه لا يجتمع قادران على مقدور واحد فلا بدّ أن يستند الفعل إلى إحدى القدرتين ، إما إلى قدرة الله تعالى ، وإمّا قدرة العبد وحدها ، ولمّا كانت قدرة الله أقدم وأعمّ وأقوى أسند إليها الفعل ، وإسناد الفعل إلى قدرة الله لا يستلزم انتفاء قدرة العبد عليه ، بل هي موجودة ومقارنة لقدرته تعالى ، وهذا الاقتران بالذات يقال له الكسب وبه يصح التكليف والثواب والعقاب والمدح والذم وبه ينزّه الله تعالى عن الظلم لأنّ قدرة العبد على الفعل متحققة في نفس الأمر والواقع.
ينقض على نظرية الكسب :
أولا : إنّ ما ادّعاه أصحاب الكسب من أنّ قدرة العبد مقارنة لقدرة الرب يستدعي أن يكون وجود القدرة عند العبد وعدم وجودها سيّان ما دامت غير
__________________
(١) نفس المصدر : ج ١ ص ٩١.