مجال لإنكارها. وتوهم المنافاة بينهما وبين التوحيد الأفعالي مندفع وذلك وإنّ السببية المذكورة ليست عرضية مستقلة ـ أي في عرض سببية المولى ـ حتى يمكن دعوى المنافاة ، وإنما هي سببية طولية منتهية إليه تعالى في عين كونها حقيقية.
فالتوحيد الأفعالي تماما كالتوحيد الذاتي ، فكما أنّ وجود المخلوقين لا يتنافى مع التوحيد الذاتي لأنّ وجودهم منه تعالى وفي طول وجوده ، كذا تأثيرهم في الأشياء لا يتنافى مع حصر المؤثرية الاستقلالية فيه تعالى كما يقتضيه التوحيد الأفعالي لأنّ تأثيرهم بإذنه تعالى وينتهي إليه ، لذا قال العلّامة الطباطبائي (قدسسره) :
«انتساب الفعل إلى الواجب تعالى بالإيجاد لا ينافي انتسابه إلى غيره من الوسائط ، والانتساب طولي لا عرضي» (١).
الدليل الثاني :
لو كان العبد قادرا على الفعل لزم اجتماع قادرين على مقدور واحد ، والتالي (أي اجتماع قادرين) باطل ، فالمقدّم (أي كون العبد قادرا على الفعل) باطل مثله.
بيان الشرطية المنطقية :
أنه تعالى قادر على كل مقدور ، فلو كان العبد قادرا على شيء لاجتمعت قدرته وقدرة الله تعالى عليه : وأما بطلان التالي فلأنه لو أراد سبحانه إيجاده وأراد العبد إعدامه ، فإن وقع المرادان أو عدما لزم اجتماع النقيضين أو ارتفاعهما وهما محال ؛ وإن وقع مراد أحدهما دون الآخر لزم الترجيح من غير مرجّح (٢).
يجاب عليه :
أولا : إنّ تقديم مراد الله تعالى على مراد العبد ليس ترجيحا بلا مرجّح ، بل إنّ قدرة الله تعالى أو مراده مرجّح على قدرة العبد ومراده لأنّ قدرته تعالى ومراده أقوى من قدرة ومراد العبد.
ثانيا : نسلّم معهم بالمحال المذكور فيما لو كانت القدرتان مؤثّرتين في حال تساويهما (أي تساوي قدرته تعالى وقدرة العبد) إلّا أننا لا نذعن بتساوي القدرتين بل تتفاوتان بالقوة والضعف ، فقدرة العبد أضعف لأنها مفاضة منه تعالى إلى
__________________
(١) بداية المعارفة : ج ١ ص ١٥٩.
(٢) كشف المراد : ص ٣٣٤ وكشف الفوائد : ص ٦٠.