«يا ابن آدم بمشيتي أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء وبإرادتي كنت الذي تريد لنفسك ما تريد» (١).
الدليل الثالث :
لو كان العبد موجدا لأفعال نفسه لكان عالما بتفصيل أفعاله ، وبما أنّ الإنسان غير عالم بتفاصيل أفعاله بشهادة أننا نقصد الحركة من المبدأ إلى المنتهى ولا نقصد جزئيات تلك الحركة ، وجب القطع بأنّ العبد غير موجد لها.
يلاحظ عليه :
أولا : من قال إنّ موجد الشيء يستلزم علمه به من الأول؟ فإنّ الإيجاد لا يستلزم العلم وذلك لأنّ الفاعل قد يصدر عنه الفعل بمجرّد الطبع كالإحراق الصادر عن النار من غير علم (حيث إن الاحتراق حصل مع أن الإنسان لم يكن عالما به من قبل) فلا يلزم من نفي العلم نفي الإيجاد.
ثانيا : لا ربط بين كون العبد موجدا لأفعال نفسه وبين كونه عالما بها تفصيلا ، فالإيجاد لا يستلزم العلم التفصيلي بل يكفي العلم الإجمالي وهو كاف في قصد الحركة من المبدأ إلى المنتهى (٢).
الدليل الرابع :
قالوا : لو كنا نوجد الأفعال لأمكننا أنّ نوجد الأجسام وذلك لأنّ النكتة التي لأجلها توجد الأفعال هي أنها حادثة ، والأجسام كذلك هي حادثة ، فلو كنّا فاعلين للأفعال لصحّ منّا إيجاد الأجسام لوجود العلة المصحّحة للتعلّق وهي الحدوث.
والجواب :
إنّ الجسم يمتنع صدوره عنّا لا لأجل الحدوث حتى يلزم تعميم الامتناع بل إنما امتنع صدوره عنّا لأننا أجسام ، والجسم لا يؤثر في الجسم (٣) ، بمعنى أن الجسم لا يقدر أن يوجد جسما آخر لمانع وهو عدم قدرته على الإيجاد من العدم.
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٥ ص ٩٤.
(٢) كشف المراد : ص ٣٣٤ بتصرّف.
(٣) نفس المصدر : ص ٣٣٥.