كما في قوله تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي) (المائدة / ١١١).
(أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ) (آل عمران / ٥٠).
(وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (العنكبوت / ١٨).
فدلالات الآيات واضحة على نوعين من الخلق :
الأول : خلق الأجساد.
الثاني : خلق الأعمال.
فالإنسان قد يخلق الأجساد من العدم بإذنه تعالى وقدرته كذا أيضا يخلق أفعالا حسنة وشريرة بما أعطاه سبحانه من القدرة التي بها فعل القبيح ولكن ليس معنى ذلك أنه أمره بالقبيح ، وإنما أساء استعمالها في موردها الصحيح.
وكذا يمكن للإنسان أن تصدر منه أفعال هي من مختصات الباري إلّا أنه أجازها لغيره تبعا لقدرته عزوجل أمثال :
الرزق والزرع والغلبة والنصر ، فإنه وإن وردت آيات في حصر هذه الأمور به تعالى لكن في مقابلها آيات تفيد إمكان الإنسان أن يرزق غيره بإذنه تعالى وان يزرع وأن ينصر ، كل ذلك بتوسط القدرة التي حباها الله لعباده.
قال تعالى : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات / ٥٩).
هنا حصر الرازقية به تعالى دون غيره.
ولكنه في آية أخرى فوضها إلى بعض العباد بإذنه وبطول إرادته كما في قوله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (النساء / ٦) (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (المؤمنون / ٧٣).
وكذا حصر الزراعة به تعالى بقوله :
(أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) (الواقعة / ٦٥).
وفي نفس الوقت يعدّ الإنسان زارعا كما في قوله تعالى : (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ...) (الفتح / ٣٠).