بشكل وهيئة خاصّة وعدم الموانع التي تفصلها عن بعضها ، فالجص والتراب والحديد كل ذلك يعدّ علة لبقاء البناء أو العمارة بشرط التماسك فالعلة للبقاء هو المادّة التماسكية ، فإذا زالت التماسكية زال البقاء ؛ فالبنّاء الذي ينظّم المواد الإنشائية ويرتّبها فوق بعضها فهو في الواقع يعدّ علة معدّة لوجود هذا الوضع الخاص للجدار أو العمارة وتلك الوضعية الخاصة هي شرط وجود وبقاء البناء.
فهذه العلل بأجمعها ما دامت موجودة فالبناء باق فلو لم تتعلق العلة المفيضة للوجود ببقائه فإنّ المواد الإنشائية سوف تتبعثر وتفنى ، فما ذكره المعتزلة من بقاء المعلول بعد فناء علته غير سديد لأنه في هذه الموارد المذكورة لم تنعدم العلل الحقيقية بل الذي انعدم أو انقطع تأثيره هو العلة الإعدادية التي هي في الواقع علة بالعرض للمعلولات المذكورة.
ثانيا : إنّ مناط حاجة المعلول إلى العلة حدوثا وبقاء هو إمكانه الماهوي أي عدم كون وجوده نابعا من ذاته ، فلا بدّ من احتياجه إلى العلة في كل آن من الآنات لإمكانه وافتقاره الذي هو من لوازم ذاته حيث يحتاج دائما إلى العلة المؤثرة لتفيض عليه الوجود ولتهبه المدد في كل حين وإلّا لانعدم ، فالإنسان في كل حين ـ حتى حين الفعل ـ مفتقر إلى موجده ليفيض إليه الوجود وسائر المبادي وإلّا لما تمكن من إيجاد الفعل ويكون مثله تعالى ـ ولله المثل الأعلى ـ في إفاضة الحياة والقدرة على الإنسان في كل حين كمثل تأثير القوة الكهربائية في الضوء ، فإن الضوء لا يوجد إلّا حين تمدّه القوة بتيارها ، ويفتقر في بقاء وجوده إلى مدد هذه القوة في كل حين.
ثالثا : إنّ مقالة المعتزلة تستدعي عدم احتياج الممكن في استمراره إلى العلة مما يعني أنّ الممكن انقلب إلى واجب الوجود والثاني خلف كونه معلولا فثبت الأول ـ أي كونه ممكنا ـ وما هو كذلك لا يمكن أن يخرج عمّا هو عليه «الإمكان» فكما هو ممكن حدوثا هو ممكن بقاء ومثل ذلك لا يستغني عن الواجب في حال من الحالات ، لأنّ الاستغناء آية انقلابه عن الإمكان إلى الوجوب ، وعن الفقر إلى الغنى.
فإذا ثبت عدم استغناء الممكن ذاتا عن العلة حدوثا وبقاء ثبت بطريق أولى عدم استقلال الفاعل بفعله عن العلة استقلالا تامّا.
قال صدر المتألهين «قدسسره» :