وبما تقدم بصراحة الآيات والأخبار في نفي التفويض وأنه لا واقع له ، بل كل الأفعال سواء كانت قلبية أو قالبية غير خارجة عن دائرة قدرته وإرادته ، ومقتضى الجمع بين الآيات الدالة بنظرهم على التفويض وبين الآيات النافية له هو أن يكون المراد من استناد الأفعال إلى العباد ليس هو التفويض المدّعى بل يكفي في الاستناد كون مباشرة الأفعال باختيارهم وقدرتهم وتمكنهم من الخلاف وإن كانت مقدرتهم تحت قدرته وإذنه ومشيته ، فالمباشرة بالاختيار لا يستلزم التفويض.
أقسام التفويض :
هو بحسب الاستقراء يحمل على ثلاثة أقسام :
القسم الأول :
تفويض الأمور إلى العباد مع عدم وجود شرع يضبط أفعالهم ، بل لهم الاختيار التام أن يعيشوا كما تحلوا لهم أنفسهم ـ وهذا ما يقول به الماديون الإباحيون الذين لا يعترفون بوجود الشرائع والأديان السماوية ومنهم البراهمة من القدامى ، والماديون الجدد في الأنظمة المعاصرة.
وهذا مما لا ريب في بطلانه وسخافته.
القسم الثاني :
تفويض الأفعال إلى العباد واستقلالهم بالقدرة على الأفعال مع الاعتراف بوجود شرائع ومقدسات.
وبتوضيح آخر : أنه سبحانه خلق العباد وأعطاهم القدرة ثم عزل نفسه عن التصرف القيومي عليهم ، وقد اختاره المعتزلة ، وقد تقدم بيان فساده ، إضافة إلى أنه يستلزم التعطيل في الذات الإلهية المقدّسة.
القسم الثالث :
التفويض في بيان الأحكام التشريعية أو في أمور الدين.
وهذا القسم من التفويض يحتمل وجهين :
الأول : أن يكون الله تعالى فوّض إلى النبي والأئمة صلوات الله عليهم أن يحلّوا ما شاءوا ويحرّموا ما شاءوا أو يغيّروا ما أمروا به بآرائهم. وهذا واضح البطلان والفساد لاستلزامه التطفل على الباري عزوجل والكذب عليه وهما منفيان