تحت إرادة الحق سبحانه الكاملة ولا استقلالية لها في أي عمل أبدا ، وأنّ جميع الكائنات في وجودها وكمالها وحركاتها وسكناتها وإرادتها وقدرتها وجميع شئونها محتاجة وفقيرة ، بل هي فقر خالص وخالص فقر ، كما أنه لا فرق أبدا في قيّومية الحق وعدم استقلال العباد ، وظهور إرادة الله ونفوذها وتغلغلها في كل شيء بين الأمور الكبيرة والصغيرة ، وكما أننا (العباد الضعاف) قادرون على الأعمال البسيطة مثل الحركة والسكون وأفعال أخرى صغيرة ، فإنّ العباد المخلصين لله سبحانه والملائكة المجردين قادرون على أعمال عظيمة من الإحياء والإماتة والرزق والإيجاد والإعدام ، وكما أنّ ملك الموت يقوم بالإماتة وعمله هذا لا يكون من قبيل استجابة الدعاء وإنّ اسرافيل موكّل بالإحياء ، وإحيائه لا يكون من قبيل استجابة الدعاء أو التفويض الباطل ، فكذلك الولي الكامل والنفوس الزكية القوية ، مثل نفوس الأنبياء والأولياء قادرة على الإعدام والإيجاد والإماتة والإحياء بقدرة الحق المتعال ، وليس هذا من التفويض المحال ، ويجب أن لا تعتبره باطلا ، ولا مانع من تفويض أمر العباد إلى روحانية كاملة تكون مشيئته فانية في مشيئة الحق ، وإرادته ظلال لإرادة الحق ، ولا يروم إلّا ما يريده الحق ، ولا يتحرك إلّا إذا كان موافقا للنظام الأصلح سواء كان في الخلق والتكوين أم التشريع والتربية ، وملخص الكلام أن التفويض بالمعنى الأول لا يكون جائزا في أي مجال من المجالات وأنه مخالف للبراهين القاطعة ، وأما التفويض بالمعنى الثاني فجائز في كل الأمور بل إنّ النظام العام للعالم لا يقوم إلّا على أساس الأسباب والمسببات أبى الله أن يجري الأمور إلّا بأسبابها ...» (١).
النقطة الثالثة : الأمر بين الأمرين :
بعد ما تبيّن معنا فساد النظريتين السابقتين وشناعة مقالتيهما ، ذهب الإمامية إلى نظرية الأمر بين الأمرين وهي برزخ بين تينك النظريتين حيث لا إفراط فيها ولا تفريط ، وقد غفل عنها علماء العامة قديما وحديثا ، وقد أوعز المرحوم الشيخ مرتضى المطهري عدم اعتقاد العامة بهذه النظرية إلى عدم النضوج الفكري أو العقلي لتقبّل هذه النظرية قال بما معناه :
«وغفلة العامة عن النظرية الثالثة مردّه أن تلك العصور لم تكن بالمستوى
__________________
(١) الأربعون حديثا : ص ٤٨٧ ـ ٤٨٨.