العقلي لفهم تلك النظرية ولعدم رواج علم الكلام والمنطق والفلسفة في تلك الآونة الزمنية»(١).
يلاحظ عليه :
إن انصراف العامة عن نظرية الأمر بين الأمرين ليس كما تصوّره المرحوم المطهري ، وإنما يرجع لأمور :
الأول : عدم اعتقادهم بإمامة العترة الطاهرة ، فقد أخذ العامة من الأشعري المتوفى عام ٢٦٠ ه ـ وأبي حنيفة المتوفى عام ١٥٠ ه ـ المعاصر للإمام الصادق عليهالسلام والذي تتلمذ عنده سنتين ، حتى عرف بمخالفته للإمام الصادق عليهالسلام ، فعدم الأخذ يرجع إلى عدم الاعتقاد بإمامة الأئمة عليهمالسلام لا عدم النضوج العلمي.
الثاني : إنّ نظرية «الوسط» ليست بأصعب من مسألة حشر الأجساد أو القياس والإسراء والمعراج وشقّ القمر وتكلم الحصى وإنطاق الجوارح يوم القيامة وغيرها ، حتى يقال أنهم لم يكونوا بالمستوى العقلي المطلوب لفهمها.
الثالث : إنّ انصرافهم عن النظرية الثالثة كانت مقصودة في الأوساط الحاكمة يوم ذاك والسبب كما قلنا أول البحث أنّ الحكّام كانوا يروّجون لفكرة الجبر ليبرّروا شرورهم وليدعموا سلطانهم.
إضافة لذلك فإننا نسأل :
كيف يمكنهم الأخذ بنظرية الجبر أو التفويض ويتركوا غيرهما في حال أنّ المناط هو عدم رواج الفكر المنطقي أو الفلسفي كما تصوّر المطهري (عليه الرحمة) ، فإن مسألة الجبر كانت أصعب تعقيدا من نظرية «الوسط» فكيف يؤخذ بالأصعب ويترك الأسهل والأيسر؟!
حقيقة نظرية الوسط «الأمر بين الأمرين» :
نظرية الوسط التي أسس بنيانها القرآن على لسان العترة الطاهرة عديل الكتاب والمطّلعين على خفاياه وأسراره ، هذه النظرية التي بها نثبت عدالة الله وسلطنته تعالى في مقابل حد الإفراط والتفريط اللذين سلك طريقهما الأشاعرة والمعتزلة.
فالأشاعرة وإن تضمنت نظريتهم إثبات السلطنة المطلقة لله تعالى إلّا أنها
__________________
(١) بداية المعارف : ج ١ ص ١٧٠ نقلا عن أصول الفلسفة : ج ٣ ص ١٦٩.