٢ ـ ومنها قوله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٤) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (الكهف / ٢٤ ـ ٢٥).
فالآية المباركة في معرض أن العبد لا يكون فاعلا لفعل ما إلّا أن يشاء الله تعالى أن يبقي حياته وقدرته ونحوهما مما يتوقف عليه فعله خارجا وبدون ذلك لا يعقل كونه فاعلا له ، فليس للعبد أن يملك شيئا إلّا ما ملّكه تعالى إياه وأقدره عليه وهو المالك لما ملّكه والقادر على ما أقدره ، فالإنسان العارف بمقام ربه المسلّم له لا يرى نفسه سببا مستقلا لفعله مستغنيا فيه عن غيره بل هو مالك له بتمليك الله قادر عليه بقدرته تعالى ، لأن القوة لله جميعا ولا يتم شيء إلّا بإذنه تعالى.
٣ ـ قوله تعالى : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (النحل / ٩٤).
أسندت الآية المباركة مسألتي الضلال والهدى إليه سبحانه مع أنهما من أفعال العباد ، ولكنّ المراد هو غير المعنى الظاهر بل هناك شيء مقدّر ، فالمعنى :
أنه سبحانه يضل من يشاء الضلالة والسيئة باختياره ، وكذا يهدي إلى طاعته من يشاء الهداية والخير ، ففعل الهدى والضلال واقعان تحت اختيار الإنسان إلّا أن مباديهما كالحياة والقدرة منه تعالى ، فالإسناد حقيقي أعني إسناد الهدى والضلال إليه تعالى وإلى العبد من المجاز والعناية في البين.
٤ ـ ومنها قوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (الحديد / ٥).
أي أنه سبحانه لم يتخلّ عن عباده بعد خلقه لهم كما يدّعي المفوّضة بل هو معهم محيط بهم لا يغيبون عنه تعالى أينما كانوا وفي أي زمان عاشوا ، فنسبته تعالى إلى الأمكنة والأزمنة والأحوال سواء ومثلها قوله تعالى :
(فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ).
إلى أمثال هذه الآيات الدالّة على نظرية الأمر بين الأمرين ، فهي في الواقع ليست بدعا من خارج القرآن بل إنما جاء بها أهل البيت عليهمالسلام الذين هم قرناء الكتاب وفي بيوتهم نزل جبرائيل بالتنزيل.
الأمر الرابع الأخبار المختلفة في القضاء والقدر
الأمر الرابع : وفيه نقطتان :
النقطة الأولى :
معالجة الأخبار المختلفة في القضاء والقدر.