ولكنني أعجب من مقالته مدّعيا أنّ البداء من صميم عقيدة أهل السنّة إذ كيف تكون من عقائد أهل السنّة وهم يعتقدون بالجبر وينكرون الحسن والقبح العقليين ويشبّهون الله بمخلوقاته؟! بل إنّ إنكار البداء من صلب عقائد الأشاعرة كما يلوح ذلك في كلمات كبار علمائهم أمثال الرازي ـ كما سوف ترى ـ بل إنّهم يستنكرون على الإمامية لاعتقادهم بالبداء.
أقول كما علّمنا الله عزوجل أن نقول :
(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) (الأعراف / ٩٠).
وفي هذا الباب نقاط عدّة :
النقطة الأولى : معنى البداء :
البداء لغة : على وزن نداء مشتق من الفعل «بدا» من دون همزة فهو بعنى «ظهر» أو «بان» أو «تجلّى». ويأتي بمعنى خطور الرأي أو استصواب شيء غير الأول ، ومنه قولهم : فلان ذو بداوة أي لا يزال يبدو له رأي جديد (١).
أما بحسب الاصطلاح : فله معنيان :
الأول : الظهور والوضوح والتجلّي.
الثاني : العلم بعد الجهل أو خطور الرأي في شيء ما.
الأول موافق للذات الإلهية دون الثاني لدلالته على نسبة النقص إلى الباري جلّ وعلا وهو منزّه عنه.
فتحصّل من هذا أن للبداء معنيين :
الأول : الظهور والعلم بعد الجهل ، أو العلم بالشيء بعد أن لم يكن حاصلا ، وهذا المعنى للبداء مستحيل عليه تعالى عقلا ونقلا وهو ما رفضته الشيعة جملة وتفصيلا.
الثاني : الإظهار بعد الإخفاء أي إظهار ما كان مخفيّا عن العباد لا عنه تعالى فهو محيط بكل شيء ، ولأن هذا المعنى قبيح في حقه تعالى لاستلزامه الجهل المنزّه عنه تعالى.
فيكون الإظهار منه تعالى لا الظهور له ، فالإظهار منه يعني القضاء الإلهي
__________________
(١) المنجد : ص ١٩٤ ومجمع البحرين للطريحي : ج ١ ص ٤٥.