الباري عزّ شأنه وليس مستحيلا وإنما المستحيل هو القائم في مقام الذات الإلهية لاستلزامه النقص في الذات كما أسلفنا فيما تقدم.
فالبداء الممكن وقوعه هو ظهور الأشياء بالنسبة إلينا لا إليه تعالى ، وكما قلنا إنه ظهور منه لنا لا ظهور له تعالى ، فالثاني ينكره الشيعة الإمامية أشد الإنكار ، وإنما يقولون بالأول حيث هو عبارة عن التغير في الفعل الإلهي سواء كان تكوينيا أم تشريعيا فلا مانع منه بعد كونه معلوما له تعالى بأطرافه.
النقطة الثانية : أنواع البداء :
قد عرفت أنّ البداء الذي تقول به الشيعة هو «الإظهار» أي إظهار ما كان مقدّرا ومخفيا عن العباد ، بل يظهر لهم ما لم يكونوا يتوقعون كما قال تعالى (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) «فبدا لهم» أي ظهر للعباد من الله ما كان مخفيا عنهم. فتأمل.
فظهور الأشياء لهم إنما يكون على خلاف المقتضيات والمعدات مثاله : كموت شخص صحيح المزاج بحيث لم يكن متوقعا موته ، وشفاء مريض لا يتوقع برؤه ، فهذا ظهور بالنسبة إلينا ، وأما بالنسبة إليه تعالى فلا خفاء بل علمه به منذ الأزل.
فالبداء الذي تقرّ به الشيعة هو بمعنى الإبداء والإظهار حقيقة ، وإطلاق لفظ «البداء» عليه مبني على التنزيل والمشاكلة ، حيث ورد هذا المعنى في مرويات البداء من طرق العامة ، فقد روى البخاري بإسناده إلى أبي عمرة أنّ أبا هريرة حدّثه أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : إنّ ثلاثة في بني إسرائيل ـ أبرص ـ وأعمى ـ وأقرع ـ بدا الله عزوجل أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا فأتى الأبرص فقال : أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال : لون حسن وجلد حسن ، قد قذرني الناس ، قال : فمسحه فذهب عنه ، فأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا ...» (١).
إشكال :
قد يشكل أنّ قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «بدا الله» أي ظهر لله كما ورد في الخبر المتقدم وغيره كخبر عبيدة بن زرارة عن مولانا الإمام الصادق عليهالسلام ما بدا الله بداء
__________________
(١) صحيح البخاري : ج ٤ ص ٥٠١ ح ٣٤٦٤ ط دار الكتب.