وبعبارة : إنّ البداء يقتصر على ما في لوح المحو والإثبات «القدر» دون القضاء المبرم المحتوم.
إنكار اليهود للبداء :
هذا وقد أنكر اليهود البداء والنسخ مدّعين بذلك أنه تعالى قدّر الأرزاق والأشياء منذ الأزل فلا تغيير ولا تبديل فيما قدّر فقد «جف القلم».
وقد قصّ علينا القرآن الكريم معتقدهم الفاسد بقوله حكاية عنهم (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) (المائدة / ٦٥).
وذكر الشهرستاني عنهم أنهم قالوا :
«إن الشريعة لا تكون إلّا واحدة ، ابتدأت بموسى وتمت فلم يكن قبله شريعة إلّا حدود عقلية وأحكام مصلحية ولم يجيزوا النسخ أصلا فلا يكون بعده شريعة أصلا لأنّ النسخ في الأوامر بداء ولا يجوز البداء عليه تعالى» (١).
ووافقهم من المسلمين أبو مسلم الخراساني من أهل أصفهان كان عالما من علماء العامة ومن أكابر مفسّريهم (٢).
والسر في إنكارهم للبداء والنسخ يرجع إلى أمرين :
الأول : إعطاء المبرّر لتصرفاتهم الرعناء وأن ما يقومون به فهو ماض عنده تعالى منذ الأزل وفي اللوح المحفوظ.
الثاني : تثبيطهم للنصارى والمسلمين عن التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ، فبذلك يكونوا قد مهدوا للغزو اليهودي للعالم ، لأن الاعتراف بالنسخ يعني أن الشريعة المحمدية والعيسوية تلغيان تصرفاتهم الظالمة ، وهذا لا يرتضيه الفكر اليهودي وكذا القول بالبداء فإنه يعني بنظرهم توجه الفرد المؤمن به تعالى إلى مناهضة الظلم والاستبداد ، وهذا ما يرفضه اليهود لأنه حجر عثرة في تنفيذ مخططاتهم الاستعمارية.
استدلال اليهود على استحالة النسخ التشريعي :
استدلوا عليه بما يلي :
__________________
(١) الملل والنحل للشهرستاني : ج ١ ص ٢١١.
(٢) مبادي الأصول للحلي : ص ١٧٥.