اعترافهم واعتقادهم بوجود نسخ سواء أكان ذلك في الشرائع المتقدمة على شريعتهم أم كان في شريعتهم الناسخة.
استدلال اليهود على استحالة البداء التكويني :
قالوا إنّ الله سبحانه فرغ من الأمر. فلا يحدث غير ما قدّره في التقدير الأول ، وجفّ القلم بما كان ولا يمكن التغيير ولا التبديل فيما قدّر ، وقالوا إن يده سبحانه مغلولة عن القبض والبسط والأخذ والإعطاء.
والجواب :
أولا : إنّ اعترافهم بأنه تعالى فرغ من الأمر يعني التسليم بفكرة الجبر وقد تقدم بطلانها.
ثانيا : من الغرابة التزامهم بسلب القدرة عن الله تعالى فلا يقدر على القبض والبسط في حين لم يلتزموا بسلب القدرة عن العبد. مع أن الملاك في كليهما واحد ، فقد تعلّق العلم الأزلي بأفعال الله تعالى وبأفعال العبيد على حدّ سواء (١).
النقطة الثالثة : حقيقة البداء :
قد عرفنا أن البداء يقع في القضاء غير المحتوم «القدر» وأما المحتوم منه فلا يتخلّف ، وقد ثبت في الآيات والأخبار أن لله تعالى لوحين أثبت فيهما ما يحدث من الكائنات.
فاللوح الأول : لوح المحو والإثبات المعبّر عنه بالقدر وقد كتب فيه الآجال والأرزاق وجميع ما يكون واقعا في العالم وهذه الأمور معلّقة على الأسباب والشروط وفي هذا اللوح يقع التغيير والتبديل مثلا : كتب أنّ عمر زيد عشرون سنة إن لم يصل رحمه ، وإن وصل رحمه فعمره ثلاثون سنة ، وإنّ رزق زيد في هذه السنة مائة ألف درهم إن لم يسع السعي الفلاني وإن سعى فيه فرزقه ألف ألف درهم ، وكذلك جميع الكائنات في العسر واليسر ، فهذا اللوح هو نفسه الذي وصف سبحانه به نفسه بأنّه (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (الرحمن / ٣٠).
اللوح الثاني : اللوح المحفوظ المعبّر عنه ب القضاء المحتوم. وكتب فيه الكائنات مع علمه بها منذ الأزل ، وهذا العلم المكتوب مطابق لما يقع ولا يتغير
__________________
(١) البيان للخوئي : ص ٣٨٧.