فلا يعني هذا قياس النبي والأئمة عليهم.
فما ورد «من أن عنده العلم المخزون الذي لم يطلع عليه أحدا من خلقه» وإن كان ظاهره الإطلاق أو الشمول لكنه لا يشمل النبي والأئمة إذ ما من عام إلّا وقد خصّ ، وما من مطلق إلّا وله مقيّد.
فالولي عليهالسلام يقف على المقتضي والشرط وأجزاء العلة التامة ولكنه غير مأمور بالكشف عن الشرط لحكمة الدعاء أو لدفع شبهة الغلوّ إذ لو أخبر بشيء بكل تفاصيله لاتخذوه ربّا من دون الله تعالى.
وبعبارة أخرى : إن الأمور الموقوفة عنده تعالى التي يقدّم منها ما يشاء ويؤخّر ما يشاء ، فهو عزوجل عالم به وقد أعلم وليّه بذلك إلّا أن الولي أخبر بالمقتضى دون شرطه لمصلحة هم أعلم بها منا ، وإن شئت قلت : إنهم عليهمالسلام أخبروا عن الأمر بحسب علته الناقصة مع العلم بعلته التامة ووقوعها أو عدم وقوعها ، وخبر المروزي المتقدم وإن كان ظاهره الإطلاق بعدم الاطّلاع على علمه المخزون إلّا أنه يستثنى منه المعصومون عليهمالسلام الذين اختصهم تعالى بمعدن علمه ، إضافة إلى معارضته بنصوص كثيرة دالّة على أن ما قدّره تعالى من الآجال والأرزاق والخير والشر وكل ما هو قابل للتغيير والتبديل أنزله تعالى على إمام كل عصر في ليلة القدر من كل سنة ، ويشهد له ما ورد بالمستفيض من أنهم عليهمالسلام لو لا آية : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ ...) لأخبروا الناس بما كان وبما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ، وهي صريحة في عدم الإذن والرخصة لهم في بروزها كلية للناس لوجود مصلحة في سترها أو مفسدة في كشفها لهم لذا ورد عنهم عليهمالسلام أنهم قالوا :
«لو كانت لألسنتكم أوكية لحدّثت كلّ امرئ بما له وعليه» (١).
علاوة على ذلك فإنّ الخبرين المتقدّمين عن النبي محمد وعيسى عليهماالسلام وقصتهما مع الحطّاب والعروس ينسبان الجهل للنبي بالموضوعات الصرفة ، فالأخذ بهما بناء على عدم حضورية علم النبي وشموليته للموضوعات الصرفة ، أما بناء على حضورية وشمولية علوم النبي والأئمة عليهمالسلام والأنبياء أولي العزم فلا يتم ما ذكروه أصلا.
__________________
(١) أصول الكافي : ج ١ ص ٢٦٤ ح ١ وبصائر الدرجات.