الإنسان إلّا إلى الشقاء والهلاك ولا يهديه إلّا إلى عذاب السعير.
ومنا هنا يقال : إنّ الحكم لمّا كان لله سبحانه وحده كان كل حكم دائر بين الناس إما حكما حقيقة مأخوذا من لدنه بوحي أو رسالة ، وإما حكما مفترى عليه تعالى ولا ثالث للقسمين ، لذا قال سبحانه : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (المائدة / ٤٥) وقد أجاز الله تعالى لأنبيائه أن يسنّوا أحكاما بإذنه تعالى وهذه الأحكام نوع قضاء وهو من المناصب الإلهية التي أكرمهم الله تعالى بها قال تعالى : (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِ) (المائدة / ٤٩).
وقال أيضا : (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ) (الأنعام / ٩٠) وقد ذكرت لنا النصوص عن عترة آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أن الله تعالى فوّض نبيّه في تشريع بعض الأحكام التشريعية كما مرّ سابقا فلاحظ.
إذن تشريع الأحكام وإن كان لله تعالى أصالة لكنه تعالى جعله لبعض أوليائه تبعا ، والحكم أو التكليف مما يقتضي لطفه ورحمته ، هذا مع ما في الأفعال من المصالح والمفاسد ولا يمكن للإنسان السلوك نحو الكمال إلا بتكليف به تقيّد نزواته وغرائزه مما يجعلها مصفّاه غاية التصفية ومعتدلة غاية الاعتدال ، فالإخلال حينئذ بهذا التكليف ينافي اللطف والرحمة والحكمة ، كما أن الحكم الجزافي ينافي حكمة جاعله لأنه عبث يتنزّه عنه الباري عزوجل.
النقطة الثانية :
ذهب الشيعة والمعتزلة إلى أنه سبحانه يفعل لغرض ولا يشرّع حكما من دون فائدة أي أنه لا يفعل فعلا إلّا لأمر لا يخلو فعله عن غرض هو الداعي إلى ذلك الفعل وإلّا لزم الترجيح بلا مرجّح وهو محال (١).
وذهب الأشاعرة : إلى أن أفعاله تعالى يستحيل تعليلها بالأغراض والمقاصد.
وقد استدلّ الشيعة على كون أفعاله معلّلة بالأغراض : ان كل فعل لا يقع لغرض فهو عبث ، والعبث قبيح وهو منزّه عنه سبحانه ويستحيل صدوره منه.
واستدلّ الأشاعرة على أن أفعاله غير معلّلة بالأغراض.
__________________
(١) قواعد المرام : ص ١١٠ ونهاية الحكمة : ص ١٦٣.