إن كل فاعل لغرض وقصد فإنه ناقص بذاته مستكمل بذلك الغرض ، والله سبحانه يستحيل عليه النقصان (١).
يجاب عليه :
أولا : إن النقص يعدّ مستحيلا عليه تعالى لو كان الغرض والنّفع راجعين إليه تعالى ، أما إذا كان الغرض عائدا إلى غيره فلا ، بل الغرض يعود إلى مصلحة العبد ونظام الموجودات بما يرجع نفعه إلى المكلّفين المحتاجين إلى غناه تعالى ، فيكون الغرض كمالا للفعل ودليلا على كمال ذات الفاعل لأنه يشهد بحكمته وإحسانه ، ولو فعل لا لغرض لكان ناقصا عابثا وهو تعالى منزّه عن ذلك (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) (الأنبياء / ١٧).
(وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (٣٩) ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٠)) (الدخان / ٣٩ ـ ٤٠).
(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٩٢)) (آل عمران / ١٩٢).
ثانيا : يلزم على مقالتهم أن لا يكون الله سبحانه محسنا إلى العباد ولا منعما عليهم ولا راضيا عنهم ولا كريما في حق عباده ، فصفاته المذكورة من الإنعام والرضا والكرم كلها صفات حقيقية لا مجازية وذلك لأن الإحسان إنما يصدق لو فعل المحسن نفعا لغرض الإحسان إلى المنتفع ، فلو فعله لغير ذلك لم يكن محسنا ولهذا لا يوصف مطعم الدابة لتسمن حتى يذبحها بأنه محسن إليها أو منعم عليها بالرحمة لأنّ التعطف والشفقة إنما يثبتان مع قصد الإحسان إلى الغير لأجل نفسه لا لغرض آخر يرجع إليه سبحانه.
ثالثا : تستدعي مقالتهم تلك أن تكون جميع المنافع التي جعلها سبحانه منوطة بأشياء غير مقصودة ولا مطلوبة لله تعالى بل يكون قد خلقها عبثا ، فلا يكون خلقه لأعضاء الإنسان لفائدة وكذا إعطاء الحيوان بل تكون بزعمهم عبثا في عبث تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
رابعا : يلزم من مقالتهم إبطال النبوات بأسرها وعدم الجزم بصدق أحد منهم
__________________
(١) كشف المراد : ص ٣٣١.