يأكل مما تأكل ويشرب مما تشرب حتى تكون بالنسبة إليه كجماد يتصرف فيك رفعا ووضعا أو كعبد أمام مولاه لا يقدر على شيء فهو مملوك لسيده ، فإذا كان صاحب أي رسالة مثلك فأي تميّز له عليك ، وأية فضيلة أوجبت استخدامك؟
والجواب :
صحيح أن الأنبياء والرسل مثلنا في الصورة والجسم إلّا أنهم يختلفون عن بقية البشر بمميزات وخصائص روحية ونفسية عالية جدا نتيجة ارتباطهم بالمبدإ الأعلى والفيض الأكمل ، فهذا الاختلاف والتمايز بالخصائص يستدعي رفعهم على بقية البشر قال تعالى :
(وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف / ٣٣).
(قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ...) (إبراهيم / ١٢).
وأما قوله تعالى حاكيا عن نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم :
(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) (فصلت / ٧).
ليس المراد منه نفي الخصائص والمميزات التي كان يتمتع بها النبي وإنما المراد نفي ما كان يتوهمه المشركون من عدم كون الرسل بشرا لا يأكلون الطعام ولا يمشون في الأسواق قال تعالى حاكيا عنهم :
(وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) (المؤمنون / ٣٤).
فقوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) يفيد الاتحاد في البشرية حيث لا بدّ من وجود مسانخة بين المرسل والمرسل إليه وأما ذيل الآية (يُوحى إِلَيَ) يفيد الخصيصة التي يفترق بها النبي عن غيره من سائر البشر.
وبعبارة : ان الآية تشير إلى أن النبي كغيره من البشر متحد معهم بالصورة إلّا أنه يختلف عنهم بالجوهر أي الخصائص والمميزات وما شابه ذلك.
الجهة الثالثة : فوائد البعثة وحسنها :
اختلف الناس في حسنها وفوائدها ، فذهب المسلمون وجميع أرباب الملل