يكون مستحسنا في نفس الأمر والواقع ، وقد يكون مستقبحا لدينا لنقصان عقولنا ولا يكون هذا في الواقع والبعثة مبنية لواقع الأمر كما هو.
الفائدة السابعة :
بالبعثة ينتظم أمر العباد لأنّ من مهام الأنبياء تنظيم حياة البشر وسنّ القوانين لهم لتمنعهم من الانفلات وعدم الانضباط ، ولو فوّض هذا إليهم ـ كأنّ يفوّض إليهم تشريع الأحكام ـ لأتى كل قوم بدستور يخالف دستور الأقوام الآخرين مما يفضي إلى الفتنة والهلاك.
الجهة الرابعة : حقيقة الوحي :
لا مجال لإنكار الوحي كما فعل البراهمة الهنود ، وقد تجدّد هذا الإنكار في عصرنا الحاضر بثوب الحضارة البرّاقة حيث ساد أوروبا هذا الإنكار في عصر نشوء الحركة المادية المحضة التي تقدمت شوطا واسعا في مجالات العلوم الصناعية والتقنية وغيرها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، مما أدّى إلى تدهور بقية العلوم التي لها ارتباط وثيق بالروح وما وراءها ، إلى أن أعيد النظر بشأنها في السنين الأخيرة.
قال وجدي في دائرة المعارف :
«كان الغربيون إلى القرن السادس عشر كجميع الأمم المتديّنة يقولون بالوحي وكانت كتبهم مشحونة بأخبار الأنبياء ، فلمّا جاء العلم الجديد بشكوكه ومادياته ذهبت الفلسفة الغربية إلى أن مسألة الوحي هي من بقايا الخرافات القديمة ، وغالت حتى أنكرت الخالق والروح معا وعلّلت ما ورد عن الوحي في الكتب القديمة بأنه إمّا اختلاق من المتنبأة أنفسهم لجذب الناس إليهم وتسخيرهم لمشيئتهم ، وإمّا هذيان مرضى يعتري بعض العصبيين فيخيّل إليهم أنهم يرون أشباحا تكلمهم وهم لا يرون في الواقع شيئا» (١).
وعلى هذا الأساس ابتدع سلمان رشدي (صاحب كتاب آيات شيطانية) مقالة أنّ القرآن الكريم ليس من وحي السماء إنما هو عبارة عن إيحاءات هبط بها إبليس اللعين فألقاها على النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم تعالى الله ورسوله عن ذلك علوّا كبيرا وخسر رشدي وجنوده.
__________________
(١) التمهيد في علوم القرآن : ج ١ ص ١٠.