الباب العاشر
النبوة لطف
قال المصنّف (قدسسره) :
«إنّ الإنسان مخلوق غريب الأطوار ، معقد التركيب في تكوينه وفي طبيعته وفي نفسيته وفي عقله ، وقد اجتمعت فيه نوازع الفساد من جهة ، وبواعث الخير والصلاح من جهة أخرى فمن جهة قد جبل على العواطف والغرائز من حب النفس والهوى والأثرة وإطاعة الشهوات ، وفطر على حبّ التغلب والاستطالة والاستيلاء على ما سواه ، والتكالب على الحياة الدنيا وزخارفها ومتاعها كما قال الله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) و (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧)) و (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) إلى غير من الآيات المصرّحة والمشيرة إلى ما جبلت عليه النفس الإنسانية من العواطف والشهوات.
ومن الجهة الثانية ، خلق الله تعالى فيه عقلا هاديا يرشده إلى الصلاح وموطن الخير ، وضميرا وازعا يردعه عن المنكرات والظلم ويؤنبه على فعل ما هو قبيح ومذموم ولا يزال الخصام الداخلي في النفس الإنسانية مستعرا بين العاطفة والعقل ، فمن يتغلّب عقله على عاطفته كان من الأعلين مقاما ، والراشدين في إنسانيتهم ، والكاملين في روحانيتهم ، ومن تقهره عاطفته كان من الأخسرين منزلة والمتردين إنسانية.
وأشد هذين المتخاصمين مراسا على النفس هي العاطفة وجنودها فلذلك تجد أكثر الناس منغمسين في الضلالة ومبتعدين عن الهداية ، بإطاعة الشهوات وتلبية نداء العواطف (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين). على