لفيض الجود واللطف فإنه تعالى لا بدّ أن يفيض لطفه ، إذ لا بخل في ساحة رحمته ولا نقص في جوده وكرمه.
وليس معنى الوجوب هنا أن أحدا يأمره بذلك فيجب عليه أن يطيع ... تعالى عن ذلك ، بل معنى الوجوب في ذلك هو كمعنى الوجوب في قولك : إنه واجب الوجود «أي اللزوم واستحالة الانفكاك».
* * *
من الأدلة على لزوم بعثة الأنبياء قاعدة اللطف ، أي أنّ مقتضى لطفه ورحمته وعدله وحكمته عزوجل وتبارك اسمه أن يبعث للناس رسولا يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وينذرهم عمّا فيه فسادهم ويبشّرهم بما فيه صلاحهم ، وقد أشار المصنف إلى فلسفة اللطف ومغزاه بشكل إجمالي وعلينا التفصيل ، لذا لا بدّ من الإشارة إلى عدة نقاط :
النقطة الأولى : معنى اللطف وماهيته :
عرّفه المتكلمون بأنه شيء يكون المكلّف معه أقرب إلى فعل الطاعة وأبعد عن المعصية ، ولم يكن للمكلّف حظ في التمكين ولم يبلغ حدّ الإلجاء.
فقد اشتمل التعريف على قيود ثلاثة :
الأول : أنّ اللطف مقرّب للطاعة ومبعّد عن المعصية.
الثاني : أن لا يستوجب اللطف حصول التمكين.
الثالث : أن لا يستوجب الإلجاء.
أما القيد الأول :
فيمثّل له ببعثة الأنبياء ونصب الحجج عليهمالسلام فإنّ بعثتهم وتنصيبهم من قبله تعالى واجب لأنهم مقرّبون إلى الطاعة ومبعدون عن المعصية.
وأما القيد الثاني :
فمعناه : أن يكون المكلّف بدون اللطف متمكّنا من فعل الطاعة وترك المعصية ، وبهذا القيد تخرج القدرة والآلات التي يتمكّن بها من إيقاع الفعل فإنّ هذه جميعها لها حظ في التمكين إذ بدونها لا يمكن إيقاع الفعل ، والمراد من الآلة هي المقدمة التي يتوقف عليها حصول الواجب كالسفر إلى الحج ، فإن السفر مقدمة لحصول الواجب وهو الحج ، فالسفر لا يسمّى لطفا لأنّ له حظا في تمكين