المكلّف المعاصي وإذا أمضى له ذلك فكيف يعاقبه وقد قال سبحانه :
(وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) (طه / ١٣٥).
فقبل إرسال الرسل لا يعاقب الله عباده إلا بعد إتمام الحجة عليهم.
إذن فاللطف واجب بحكم العقل وإلّا عدّ العقاب قبيحا يتنزّه عنه المولى عزوجل.
وليس معنى الوجوب عليه تعالى أن العقل حاكم عليه سبحانه كما يحكم السيد عبده والوالد ولده فيكون تعالى ملزما بفعل اللطف ومحكوم عليه به ، فهذا المعنى قطعي البطلان ومنفي من أساسه عليه تعالى ولا أحد يقول به من الشيعة كما ربما يتوهم لأنه تعالى آمر غير مأمور لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون. بل معنى الوجوب عليه أنه تعالى لمّا كان حكيما عادلا لا يفعل إلّا الحكمة ولا يقضي إلّا بالعدل والرحمة يكشف العقل ويحكم أنه تعالى يستحيل عليه أن لا يفعل اللطف بعباده بحيث لا يرسل لهم أنبياء ولا ينصّب لهم الحجج بل حكمته وعدله يقضيان أن يفعل اللطف فيرسل وينصّب الحجج عليهمالسلام لأنّ وجود هؤلاء لطف بهم يقرّبهم من الطاعة ويبعّدهم عن المعصية.
واستدلّ الأشاعرة على عدم وجوب اللطف بوجوه ثلاث :
الوجه الأول :
إنّ اللطف إنما يكون واجبا لو كان فيه مصلحة غير مقرونة ببعض جهات المفسدة ، لكن من قال إن اللطف خال من جهات المفسدة ، بل لعلّ فيه بعض جهات القبح والمفسدة لكننا لم نلتفت إليها ولم نعلم بها فلا يكون واجبا (١).
يجاب عنه :
إننا نجزم بعدم وجود مفسدة في وجوب اللطف لأننا مكلّفون بتركها لأنّ اللطف لا يسمى لطفا إلّا إذا كان خاليا من المفسدة فعدم المفسدة معلومة لدينا ولسنا مكلفين بما لا نعلم حتى يقال إن فيها جهة مفسدة لا نعلمها.
__________________
(١) كشف المراد : ص ٣٥٢ بتصرّف.