الباب الحادي عشر
عقيدتنا في معجزة الأنبياء
قال المصنف (قدّس سره) :
نعتقد أنّه تعالى أن ينصب لخلقه هاديا ورسولا أن يعرّفهم بشخصه ويرشدهم إليه بالخصوص على وجه التعيين ، وذلك منحصر بأن ينصب على رسالته دليلا وحجة يقيمها لهم ، إتماما للطف واستكمالا للرحمة ، وذلك الدليل لا بدّ أن يكون من نوع لا يصدر إلّا من خالق الكائنات ومدبّر الموجودات (أي فوق مستوى مقدور البشر) ، فيجريه على يدي ذلك الرسول الهادي ليكون معرفا به ومرشدا إليه ، وذلك الدليل هو المسمّى ب (المعجز أو المعجزة) لأنه يكون على وجه يعجز البشر عن مجاراته والإتيان بمثله.
وكما أنه لا بدّ للنبي من معجزة يظهر بها للناس لإقامة الحجة عليهم ، فلا بدّ أن تكون تلك المعجزة ظاهرة الإعجاز بين الناس على وجه يعجز عنها العلماء وأهل الفن في وقته فضلا عن غيرهم من سائر الناس ، مع اقتران تلك المعجزة بدعوى النبوة منه لتكون دليلا على مدّعاه وحجة بين يديه. فإذا عجز عنها أمثال أولئك علم أنها فوق مقدر البشر وخارقة للعادة ، فيعلم أن صاحبها فوق مستوى البشر بما له من ذلك الاتصال الروحي بمدبّر الكائنات. وإذا تمّ ذلك لشخص من ظهور المعجز الخارق للعادة ، وادّعى مع ذلك النبوة والرسالة ، يكون حينئذ موضعا لتصديق الناس بدعواه والإيمان برسالته والخضوع لقوله وأمره فيؤمن به من يؤمن ويكفر به من يكفر.