ولأجل هذا وجدنا أن معجزة كل نبي تناسب ما يشتهر في عصره من العلوم والفنون ، فكانت معجزة موسى عليهالسلام وهي العصا التي تلقف السحر وما يأفكون ، إذ كان السحر في عصره فنّا شائعا ، فلما جاءت العصا بطل ما كانوا يعملون وعلموا أنها فوق مقدورهم ، وأعلى من فنهم وأنها مما يعجز عن مثله البشر ، ويتضاءل عندها الفن والعلم.
وكذلك كانت معجزة عيسى عليهالسلام هي إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ، إذ جاءت في وقت كان فن الطب هو السائد بين الناس ، وفيه علماء وأطباء لهم المكانة العليا ، فعجز علمهم عن مجاراة ما جاء به عيسى عليهالسلام ، ومعجزة نبيّنا الخالدة هي القرآن الكريم المعجز ببلاغته وفصاحته ، في وقت كان فن البلاغة معروفا ، وكان البلغاء هم المقدّمون عند الناس بحسن بيانهم وسموّ فصاحتهم ، فجاء القرآن كالصاعقة أذلهم وأدهشهم وأفهمهم أنهم لا قبل لهم به ، فخنعوا له مطيعين عند ما عجزوا عن مجاراته وقصروا عن اللحاق بغباره. ويدلّ على عجزهم أنه تحداهم بإتيان عشر سور مثله فلم يقدروا ، ثم تحدّاهم أن يأتوا بسورة من مثله فنكصوا ، ولمّا علمنا عجزهم عن مجاراته مع تحدّيه لهم ، وعلمنا لجوءهم إلى المقاومة بالسنان دون اللسان ، علمنا أن القرآن من نوع المعجز وقد جاء به محمد بن عبد الله مقرونا بدعوى الرسالة ، فعلمنا أنه رسول الله جاء بالحق وصدق بهصلىاللهعليهوآلهوسلم.
* * *
مقام النبوة يعدّ مقاما روحيا ساميا تطمح إليه النفوس ، لذا ادعاه جماعة من غير الأنبياء الحقيقيين ، وحتى لا يكون هذا المقام مسرحا للمدّعين وهدفا للرامين يوجد طريق خاص لمعرفة المدّعي من غيره ، هو :
الإتيان بالمعجزة الخارقة للعادة. وبهذا استدلّ المصنف (قدّس سره) على إثبات النبوة تبعا لغيره من متكلمي الإمامية.
وهناك طريقان حديثان لتمييز الصادق عن غيره هما :
الأول : جمع الدلائل والمؤشرات والقرائن المؤدية إلى الاطمئنان والأمانة والاستقامة ، وهذا الطريق لا يتحقق كاملا إلّا في جماعة مخصوصين كالأنبياء حيث أفنوا أعمارهم بالطاعة والصدق والإخلاص ، وكانوا معروفين بذلك بين