عند الأنبياء من الأفعال الغريبة الخارقة للنظام الكوني لكنها ليست خارقة للقانون العقلي التام بمعنى أنها تعدّ من المستحيلات العادية وبحسب الأدوات والأجهزة المتوافرة لدى البشر لا أنها من المستحيلات العقلية كاجتماع النقيضين ووجود المعلول بلا علة وانقسام الثلاثة إلى عددين صحيحين.
مثال ذلك : أن العادة جرت منذ القدم أن كل جسم حاولنا نقله من مكان إلى آخر يتم ذلك عبر أطر وعوامل طبيعية كرفعه أو نقله بالأيدي أو الجرّارات الصناعية مثلا ، ولكنّ العادة لم تجر أبدا أن يتحرك جسم كبير من مكان لآخر بعيد عنه مسافة مسير أيام وفي فترة زمانية بسيطة أقل من طرفة عين وبلا وسائط عادية كما جرى لآصف بن برخيا حيث أحضر عرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين بأقل من طرفة عين. فهذا أمر ممكن ولا يعدّ من المحالات العقلية ، لأنها لو كانت من المحالات لما تحقق وجودها أبدا ، نعم هي بحاجة إلى علة لكي تتحقق ، وهل يشترط في العلة أن تكون دائما مادية محضة أو لا يشترط ذلك؟ سيجاب عنه في الجهة الخامسة.
القيد الثاني : كون المعجز مطابقا للدعوى :
يجب أن يكون الإعجاز مطابقا لدعوى النبوة وإلّا لا يعتبر دليلا على مدّعاه ، فلو خالف المدّعي دعواه لا يسمّى معجزة وإن كان أمرا خارقا للعادة وذلك مثل ما حصل لمسيلمة الكذّاب حيث طلب منه أن يدعو على ماء بئر ليزداد ماؤها فغار وجفّ ، وأمرّ يده على رءوس صبيان بني حنيفة فأصابهم القرع ، فكلاهما خارق للعادة لكنه غير مطابق (١).
فلا بدّ للإعجاز أن يطابق الدعوى لأنّ من يدّعي النبوة ويسند معجزته إلى إبراء الأعمى فيحصل الصمم مع عدم برء الأعمى ، مثل هذا لا يكون صادقا في دعواه.
القيد الثالث : أن يكون المعجز مقرونا بالتحدّي :
والتحدي هو المنازعة والمماراة يقال : تحدّيت فلانا إذا ماريته ونازعته في الغلبة ، ويراد منه هنا أن يقول لأمته :
__________________
(١) إرشاد الطالبيين : ص ٣٠٧.