بحيرة ساوة ، وتسليم الأحجار عليه قبل البعثة وغير ذلك مما ثبت له قبل الرسالة.
وأما المعجزة المنكوسة التي يجريها سبحانه على أيدي الكاذبين المدّعين للنبوة زورا فتظهر على أيديهم عكس ما يريدون ، وهذا مما لا شك في وقوعه خارجا كما حصل لمسيلمة الكذّاب لما ادّعى النبوة ، فقيل له إن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دعا لأعور فردّ الله تعالى عينه المنطفئة ، فدعا مسيلمة لأعور فذهبت عينه الصحيحة.
إشكال :
قد يقال : إنّ إقامة المعجزة المنكوسة لغو وعبث حيث أنه يكفي في تكذيب مسيلمة ترك استجابة دعائه عقيب دعواه الكاذبة ، فيكون استجابة دعوته هنا ولو بشكل منكوس خرقا للعادة من غير فائدة فيكون عبثا.
الجواب :
قد تتضمن المصلحة الإلهية إظهار المعجزة المنكوسة لتكذيب المدّعي للنبوة زورا في الحال بحيث يزول الشك لتجويز أن يقال إن تأخر المعجزة عقيب الدعوى قد يكون لمصلحة ثم توجد بعد وقت آخر فلا يحصل الجزم التام بالتكذيب (١).
الجهة الرابعة : هل الإعجاز ينفي مبدأ العلة الفلسفي؟
طرحت شبهة مفادها :
إنّ المعجزة ـ وكما عرّفها المعتقدون بها من جميع الأديان ـ هي أمر خارق لنواميس الطبيعة ، فلا يرى للأسباب والعلل أي دخل بتحققها ، وهذا بحدّ ذاته يعدّ رفضا لقانون العلّية في النظام الكوني ، حيث إن لكل ظاهرة كونية علّة خاصة يمكن التعرّف عليها من خلال عرضها على التجارب العلمية ، وقد سعى التجريبيون في مختبراتهم بالبحث عن علل تكوّن الظواهر وموجوداتها فوجدوا أنّ لكل معلول علة ، وهذا ما حكم به العقل وشهد به الوجدان ، وليست معجزات الأنبياء خارجة عن هذا الإطار ولكن ما نلحظه منها وما يظهر على أيديهم من أمور لا تتفق بظاهرها مع أصل قانون العلّية والمعلولية حيث نسبت كتب التاريخ إلى النبي موسى عليهالسلام أنه ألقى عصاه الخشبية فانقلبت حية تسعى بين يديه
__________________
(١) كشف المراد : ص ٣٨١.