من الناحية العقلية.
القول الثاني : إنها علل مادية غير متعارفة :
أي أنّ العلة المحدثة للمعجزة هي سبب مادي خفي غير ظاهر للناس ولا متعارف عندهم ، اطّلع عليه الأنبياء في ظل اتصالهم بعالم الغيب ، ولا بدّ أن يكون للشيء علتان :
الأولى : يعرفها الناس ويطّلعون عليها.
الثانية : يعرفها جمع خاص منهم.
ويمكن تقريب ذلك بملاحظة أثمار الأشجار فإنّ لها علّة مادية يعرفها المزارع العادي فتثمر في ظل تلك العلّة بعد أعوام ، ومع هذا فإنّ تطور علم الزراعة أدّى إلى اختصار تلك المدة إلى نصفها بفعل الوقوف على خصوصيات التربة والأشجار والبيئة ، ولا يطّلع عليه غير خبراء الزراعة ، فإذا كان هذا ملموسا لنا في حياتنا العادية فلما يستبعد أن يقف الأنبياء والأولياء المتصلون بخالق الطبيعة الواقفون على أسرارها ورموزها بحيث يقدرون على إيجاد المعاجز.
لكن يرد عليه :
إنّ ما ذكر من كون العلة للمعجزة هي علة مادية غير متعارفة ما هو إلّا مجرّد تخرص لا يدعمه أيّ دليل لأنه من البعيد أنّ يكون النبي صاحب المعجزة ـ بناء على هذا الرأي ـ بمثابة خبراء الزراعة أو غيرهم من أهل الاختصاص ممن اطّلعوا على العلل المادية الخفيّة دون غيرهم ، فإنّ ذلك لا يعدّ معجزة أو كرامة يعجز عنها حتى خواص البشر إلّا من اتصل بالمبدإ الأعلى ، لأنّ العلة الخفية ـ بحسب هذا الرأي ـ تكون في معرض كل من حاول كشفها أي أنها قابلة للتوريث في حين أنّ المعجزة لا تورّث بل هي أمر موهوب من عند علّام الغيوب.
القول الثالث : إنها الموجودات المجرّدة :
إنّ العلة المحدثة للمعجزة هي اتصال النبي بواسطة الدعاء بالملائكة حيث يستعين بهم على تحقيق المعاجز والكرامات كما قصّ علينا ذلك القرآن الكريم بقوله تعالى : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (النازعات / ٦) ، فكما أن الملائكة تدبّر الأمور الكونية بأمره تعالى كذا هي تدبرها بأمر من النبي عند إرادته ذلك ، فتكون الملائكة هي العلة المحدثة للمعجزة.