وهذا الدليل على العصمة يجري عينا في الإمام ، لأنّ المفروض في أنه منصوب من الله تعالى لهداية البشر خليفة للنبي ، على ما سيأتي في فصل الإمامة.
* * *
تمهيد :
الشيعة الإمامية هم الوحيدون من بين المسلمين يعتقدون بمسألة العصمة المطلقة للأنبياء والأوصياء عليهمالسلام ، ونعني بالعصمة المطلقة كونهم منزّهين عن كل خطأ وذنب وسهو ونسيان وما يخل بالمروءة أي لا يمكن ـ بحكم ضرورة العقل ـ أن يصدر منهم كل ما يبعّد الناس عن الطاعة وينفّر عن الدعوة إلى الله تعالى لأنّ النبوة سفارة ، والسفير يجب أن يكون بأعلى مستوى من العلم والعرفان والتقوى مما يؤهله لقيادة البشرية إلى كمالها المنشود.
فالنبي لا بدّ أن يكون موضع ثقة الناس بحيث لا يجدون في كلامه أي احتمال للكذب أو الخطأ والتناقض ، ولو صدر منه شيء من هذا القبيل لتعرّضت سفارته للتزلزل والانهيار مما يؤدي إلى عدم قبول آرائه ومعتقداته التي جاء مبشّرا بها ، وهذا خلف ما جاء لأجله ، مضافا إلى أنّ صدور الأخطاء من السفراء يعرّض إيمان الباحثين عن الحقيقة لأن ذلك يزعزع إيمانهم بصحة محتوى دعوة هؤلاء السفراء الربانيين مما يجر إلى رفض دعوتهم وهذا خلاف الحكمة من إرسالهم.
لذا تفرّدت الإمامية بعصمة هؤلاء مطلقا سواء قبل البعثة أم بعدها ، حال الطفولة أو الشباب بل إنهم يعتقدون بعصمتهم وهم في بطون أمهاتهم ـ كما سوف يأتي إن شاء الله ـ ولكن ليس معنى ذلك أنهم عليهمالسلام مقهورون على الطاعة ، أو عاجزون عن المعصية كما توهم بعض.
ولا بأس هنا أن نبحث في عدة نقاط :
النقطة الأولى : تعريف العصمة :
أما لغة : فقد ورد في تفسيرها معنيان : المنع والحفظ ، ويرجع الثاني إلى الأول عند التأمل ، فيكون موضّحا للمعنى الأول ، ويشهد له ما ذكره أئمة اللغة.
قال ابن منظور :
«العصمة في كلام العرب : المنع ، وعصمة الله عبده : أن يعصمه مما يوبقه ، وعصمه يعصمه عصما : منعه ووقاه ، واعتصم فلان بالله : إذا امتنع به من