يرد عليه :
١ ـ إن كان إفاضة هذا العلم (بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات) قبل نزولهم إلى دار الدنيا فهذا مما لا ريب فيه أنه جزء علة لعدم ارتكابهم المعاصي لا أنه علة تامة ؛ وإن كان بعد نزولهم إلى هذه الدار فيترتب عليه محذور عدم كونهم معصومين ذاتا وحال الصغر وهذا قد أجمعت عليه الشيعة الإمامية.
٢ ـ بناء على هذا الرأي يكون المتحلي بها معصوما خوفا من العقاب وطمعا في الثواب وقد قال أمير المؤمنين عليهالسلام : (إلهي ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك) ، لأنه لو لا العلم بعواقب المعصية لكان كغيره من بقية المكلفين ، بل لعلّ المكلّف المتقي أفضل حالا من النبي أو الإمام لأنّ المتقي لم يصل إلى مرحلة الشهود العلمي بعواقب المعاصي ومع هذا فقد أطاع الله ، إذن ما ميزة الثاني عليه؟ بهذا يتبين ضعف الرأي الأول وعدم شمولية الرأي الثاني.
والصحيح :
إنّ حقيقة عصمتهم هي الحب والأنس به تعالى ، وإنما عصمهم سلفا في بطون أمهاتهم لعلمه عزوجل بأنهم عند نزولهم إلى دار الناسوت سوف يطيعونه حبّا به لا خوفا من عقابه ورجاء ثوابه ، فعصمتهم الذاتية نتيجة علمه تعالى الأزلي المتعلق بتصرفاتهم بعد نزولهم إلى عالم التكليف ، فعلى هذا تكون العصمة قوة ذاتية في التكوين النفسي لصاحبها من دون أن تلغي اختياره وقدرته على الفعل والترك.
فيكون الحب لله تعالى سببا في إفاضة المعارف والعلوم على قلوبهم وهذه المعارف سببا لابتعادهم عن كل ما يخالف رضاه والقرب منه ، فعليه يكون الرأي الثاني أخصّ مما ذكرنا.
النقطة الثالثة : موارد العصمة :
في الواقع لا يوجد موقع معين يجب أن يكون فيه الأنبياء والأوصياء معصومين لأنّ كل حركاتهم وسكناتهم هي تشريع وتقنين وسلوك وعرفان تعلّم البشرية طرق الفضيلة والهداية والعروج إليه تعالى ، فهم قدوة وأسوة للبشرية تسير على خطاهم وتنهج نهجهم ، فكل ما يصدر من أولئك الأبرار الميامين ناتج عن عصمتهم وطهارتهم ، وإنني لأعجب ممن قسّم عصمة الأنبياء والأولياء عليهمالسلام