مكروها وآخر لم يفعل إلّا مستحبا ، ويروى عن عبد الكريم بن أحمد بن طاوس أنه ما دخل سمعه شيء فكاد ينساه ، وإذا جاز على أمثال هؤلاء ما ذكرناه ، أو غيره ممن شابهه ، فكيف لا يجوز على النبي مثله وزيادة مع كمال الأنبياء وفضلهم على سائر الخلق وتأيّدهم بالوحي والكتب السماوية (١).
هذه أهم الأدلة على إثبات عصمة الأنبياء والأوصياء عن الذنوب والخطايا ، ولا بأس بعد عرض هذه الأدلة أن نقدّم بعض الآثارات التي تطرأ على العصمة ، واستجلاء الأجوبة الصحيحة عنها على ضوء أحكام العقل السليم.
السؤال الأول :
إنّ دليل العصمة عن الذنوب والخطايا قد لا يشمل حال الصغر لأنّ المعصية فرع التكليف ، وحيث لا تكليف على الصبي فلا معصية عليه ، فكيف يقول الشيعة الإمامية بعصمة الأنبياء والأولياء عليهمالسلام من حين ولادتهم إلى مماتهم؟
والجواب :
١ ـ إنّ صدور الأفعال القبيحة من الأطفال ، وإن كان لا يستدعي عقابا لرفعه عن غير المدركين تفضّلا منه تعالى إلّا أنه يستدعي أن يكون منفّرا وقبيحا ، فالكذب من الطفل قبيح تماما كما لو صدر من الكبير ، والعرف لا يفرّق في قباحته بين كونه صادرا من الصغير أو الكبير.
٢ ـ إنّ الأدلة التي سيقت على استحالة صدر والذنب والقبيح من الأنبياء لا فرق فيها بين كونها حال التبليغ أو قبله أو بعده سواء أكان صغيرا أم كبيرا المؤدي إلى عدم لياقته للأمر والنهي والوعظ والإنذار ، فلا تسكن النفوس لمن صدر منه ذنب حتى لو صدر من الصغير ، لأنّ ما يقاس على الناس ، يقاس على الأنبياء بطريق أولى لقوة نفوسهم وشدّة سلوكهم.
٣ ـ بما أنّ العصمة ملكة يؤتيها الله سبحانه لمن يعلم منه أنه لن يعصيه عند نزوله إلى دار الدنيا ، هذه الملكة لو تحققت بأي شخص لاستحال منه صدور القبيح ، والعصمة لا تختص بمورد دون آخر لأنّ الملكة لا تتبعّض ولا تتجزأ ، فيثبت بذلك عصمتهم قبل التبليغ سواء كانوا صغارا أم كبارا.
__________________
(١) عصمة الأنبياء : ص ٤٦ ، السيد علي مكي ، ط. الدار الإسلامية.