السؤال الثاني :
هل العصمة اختيارية؟
بمعنى أنه كيف يكون المرسل معصوما منذ ولادته بل عند ما كان في بطن أمه ، في حين أنه لم يفعل فعلا يؤهله لنيل هذا المقام ، وإذا كان معصوما في بطن أمه يعني ذلك أنه صار مجبرا على الفعل أو الطاعة وغير قادر على المعصية.
والجواب :
١ ـ لا علاقة للعصمة بالجبر هنا ، وذلك لأنه سبحانه كما قرّرنا سابقا يعلم بسابق علمه أن جماعة من الناس سيطيعونه حقّ طاعته ، فعصمته تعالى لهم نتيجة ما سوف يحملون من مؤهّلات ومواهب تجعلهم صالحين ليكونوا مطهرين من كل سوء ودنس ، وهذا تماما كأستاذ يعلم مسبقا أن أحد تلامذته يستحق الفوز لما يعرف فيه من مؤهلات ترفعه عن مستوى أقرانه فيكافئه الأستاذ سلفا لكنه يأمره بالامتحان مجاراة لزملائه حتى لا يكون لديهم حجة على مكافأته للتلميذ الكفوء.
إذن فعصمة الله تعالى لهؤلاء الكرام ليس اعتباطيا لقبحه على الحكيم ، وليس ترجيحا من دون مرجّح لقبحه أيضا على المولى ، بل إنّ اختياره تعالى لهم لاستعدادات تفوق ما عند غيرهم بحيث لو وصل إلى مرتبتهم غيرهم لمنح أيضا ملكة العصمة بمقتضى عدله وحكمته إذ إن جوده عام على كل المكلّفين لكنّ المانع من جهتهم ؛ فبذا تكون عصمتهم وهم في بطون أمهاتهم نحو إكرام ومكافأة لهم سلفا ، ولو كانوا مجبرين على الطاعة وعدم المعصية لما أوجب ذلك مزية لهم على غيرهم.
٢ ـ لو لم تكن العصمة اختيارية لكانت جبرية ، فهنا نسأل لما ذا خصّهم تعالى بهذه المزيّة دون غيرهم من أنّ الملاك في إجبارهم على الطاعة هو تبليغ الرسالة ـ لو قلنا به ـ فيكون تخصيصهم بها دوننا يعدّ ترجيحا بلا مرجح وهو قبيح «ولو كانوا مجبرين لما استحقوا المدح على ترك المعصية ولا الثواب ، ولبطل الثواب والعقاب في حقهم فكانوا خارجين عن التكليف وذلك باطل بالإجماع» ولقوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ) (١) (الكهف / ١١١).
٣ ـ إن الأنبياء والأولياء عليهمالسلام قادرون على المعاصي ، لكنهم يعفّون
__________________
(١) كشف المراد : ص ٣٩٢ ط. الأعلمي.