ثم خلق الملائكة» (١).
ويؤيده ما ورد في أخبار كثيرة عنهم عليهمالسلام : أن الأرواح خلقت قبل الأجساد (٢).
فيكون معنى الحديث :
أقبل يا محمّد إلى الوجود واهبط إلى الأرض رحمة للعالمين ، فأقبل صلىاللهعليهوآلهوسلم فكان نوره مع كل نبي باطنا (بولايته ونطفته المباركة التي تدرّجت في أصلاب الأنبياء عليهمالسلام) ومع جسمه المبعوث أول ولادته ظاهرا ؛ ثم قال له : أدبر فأدبر عن الدنيا ورجع إلى ربّه بكنه روحه حتى صار كقاب قوسين أو أدنى ، فقال له الباري عزّ اسمه : «وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ منك» ، وهذا حاله صلىاللهعليهوآلهوسلم فهو حبيب الله ، وهل هناك من هو أحبّ إليه سبحانه من محمد وعترته؟ كلا. وبهذا يتبين أنه سبحانه يحتج على العباد بالعقل ، ولأهميته في نظر الإسلام جعل مصدرا رابعا عند الإمامية أيدهم الله تعالى ، ومع هذا فإنه لا يكفي في استكشاف مناطات الأحكام الشرعية بل هو بحاجة دائما إلى مؤازرة الشريعة المقدّسة ويؤيده ما حكي عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنه قال :
«الشرع عقل من خارج ، والعقل شرع من داخل» (٣).
وما ورد عن مولانا الصادق عليهالسلام قال :
«حجة الله على العباد النبي ، والحجة فيما بين العباد وبين الله العقل» (٤).
الأمر الثالث : علامات العقل وجنوده :
حيث إن العقل مخلوق عجيب ، عظيم الصنع ، تكرّم به الباري سبحانه على الإنسان ليميّزه عن سائر مخلوقاته ، وليجعله أشرفها إذا أطاعه ، وأخسّها إذا عصاه ، ومع هذا لم يعرف بالكنه والحقيقة بل إنما يدرك بآثاره ولوازمه ، لذا نسب إلى مولى الثقلين مادحا إياه بقوله :
وتزعم أنك جرم صغير |
|
وفيك انطوى العالم الأكبر |
__________________
(١) بحار الأنوار ج ٢٥ / كتاب الامامة وعلم اليقين ج ١ ص ١٥٦ ومعاني الأخبار.
(٢) بحار الأنوار ج ٢٥ / باب بدء خلقهم.
(٣) مجمع البحرين : ج ٥ / ٤٢٥ مادة عقل.
(٤) أصول الكافي : ج ١ / ٢٥ ح ٢٢.