فالآية تقرّر :
«إنّ الله اختار آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران من بين الناس جميعا ، وهذا الاختيار تكويني لأنه تعالى قد خلق هؤلاء منذ البدء خلقا متميّزا ، وإن لم يكن في هذا الامتياز ما يجبرهم على اختيار طريق الحق ، بل إنهم بملء اختيارهم وحرية إرادتهم اختاروه ، غير أنّ ذلك التميّز أعدّهم للقيام بهداية البشر ثم على أثر إطاعتهم أوامر الله ، والتقوى والسعي في سبيل هداية الناس نالوا نوعا من التميّز الاكتسابي ، الذي امتزج بتميّزهم الذاتي فكانوا من المصطفين» (١).
قال العلّامة الشيخ الجليل محمد بن الحسن الحرّ العاملي :
الاستدلال بالآية من وجوه :
أحدها : دلالتها على العصمة التي يلزمها وجوب اتباعهم في أقوالهم وأفعالهم.
ثانيها : استلزامها لاستحالة الخطأ عليهم مطلقا.
ثالثها : دلالتها على طهارة ظاهرهم وباطنهم وصفائهم عن جميع شوائب الكدر ، فلا يتطرق إليهم سهو ولا نسيان لعدم سببه وموجبه.
رابعها : إنّ الاستقامة في الأقوال والأفعال التي تستفاد من الآية حيث ينافيه تجويز السهو لأنه يستلزم عدم استقامته في الأفعال والأقوال ... (٢).
قد يقال :
إنّ السهو والنسيان حالتان طبيعتان في الإنسان ، فإذا كانتا كذلك فلما لا نقول بصدورهما من الأنبياء والأوصياء؟
والجواب :
إن الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم ، وصدور السهو والنسيان ليسا بأمرين تكوينيين حتى يلازما الجبلّة الإنسانية وإلّا لكانت كل البشرية مجبولة عليهما ، في حين أننا نشاهد أناسا هم القمة في الحفظ والضبط والتدقيق ، كل هذا يجعلنا نعتقد أنهما أمران اختياريان فبإمكان المرء أن لا ينسى فإنّ القدرة على
__________________
(١) تفسير الأمثل : ج ٢ ص ٣٤٦.
(٢) التنبيه بالمعلوم على تنزيه المعصوم : ص ٢٠ ط. قم.