والمشارب الاجتهادية الذي لم يجلب على المؤمنين إلّا «التمزق والحيرة» ، لكن ليس معنى هذا أنه لا يجوز التقليد بل يجب في غيبة وليّنا عجّل الله تعالى فرجه الشريف حتى لا تترك الأحكام كليا فتضيع الشريعة بضياع أفرادها.
٥ ـ إنّ تعدد الأنباء حاجة ضرورية لدفع الاختلافات الناتجة عن الاختلاف في القابليات والاستعدادات ، فليست التكاليف سوى امتحانات إلهية للإنسان في مختلف مواقف الحياة ، وإخراجا له من القوة إلى الفعل في جانبي السعادة والشقاء ، أو تمييزا لحزب الرحمن من حزب الشيطان.
ومن هنا تتضح الحكمة من تعدد الشرائع والكتب السماوية بالرغم من اتحادها في أصول العقائد والأسس الخلقية والعبادية كعبادة الله الواحد الأحد ، ورفض الأصنام والوثنية.
مضافا إلى أنّ الامتحانات الإلهية تختلف لا محالة باختلاف مراتب الاستعدادات وتنوعها ، مما يلزم اختلاف الشرائع لذا علّل سبحانه ببعض آياته أنّ الاختلاف في الشرائع لأجل الامتحان والبلاء لما لكل إنسان من طبائع وأخلاق تحدّد هويته من حيث العمل قال تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) (المائدة / ٤٩) (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) (الإسراء / ٨٥).
عدد الأنبياء :
حيث إنّ المسألة من التعبديات التي تعتمد على السّماع من الشارع المقدّس ولا دخل للعقل في معرفة عددهم ومقدار الكتب المنزلة عليهم لعدم قدرته على استكشاف الماضي والمستقبل ، وإنما مهمته الإذعان والتصديق بأنّ للطبيعة مدبرا حكيما ، أرسل سفراء إلى خلقه (١) ، وقد أشار القرآن إلى بعض الأنبياء ، وأنّ لكل أمة نبيا كما في قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) (فاطر / ٢٥).
(وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (النحل / ٣٧).
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ
__________________
(١) لاحظ خبر هشام بن الحكم بحار الأنوار : ج ١١ ص ٢٩ وأصول الكافي : ج ١ ص ١٦٨.