وحيث إن الملائكة من جملة العالمين ، كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم رحمة لهم ، فوجب أن يكون أفضل منهم.
أما كونه صلىاللهعليهوآلهوسلم رحمة للملائكة فباعتبارين :
الأول : كون النبي وعترته الطاهرة العلّة الغائية التي من أجلها خلق سبحانه الكون بأسره.
الثاني : كون النبي وعترته عليهمالسلام قد علّموا الملائكة التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل كما في أخبار عالم الأرواح والأشباح.
واحتجّ المعتزلة على مدّعاهم بوجوه كثيرة (١) منها :
الأول :
قوله تعالى : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) (الأعراف / ٢١).
وجه الاستدلال : أنّ إبليس رغّب آدم عليهالسلام بالأكل من الشجرة رجاء حصول الملائكية له بقوله : (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) أو (تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) أي لو أكلتما لحصل لكما إحدى هاتين المرتبتين ، فنهاكما كراهة حصولها لكما ، وهذا يدلّ على أنّ الملائكة أعلى مرتبة من الأنبياء (٢).
والجواب :
١ ـ إنّ المراد من (ما نَهاكُما) ما هو إلّا إرادة أن تتشبها بالملك في عدم الاغتذاء ، فتكونا مجرّدين فتحصل لكما الكمالات النفسية وهو كاره أن تكونا من الخالدين ، ويحصل لكما الكمالات البدنية ، وهو ليس بناصح فيما أراد حصوله لكما ، وأنا أدلّكما على ما يحصّل لكما الكمالات النفسية والبدنية فيبقى بدنكما ، فيحصل لكما الكمالات البدنية ، والنفس متعلقة ببدنكما ، وبواسطتها يحصل لكما الكمالات النفسية ، وهذا لا يدلّ على أفضلية الملائكة على آدم عليهالسلام.
٢ ـ لو سلّمنا أنّ الآية تدل على أفضلية الملائكة على آدم عليهالسلام في وقت خطاب إبليس لآدم ، وأما وقت الاجتباء فلا ، فلم لا يجوز أن يكون الأنبياء قد
__________________
(١) لاحظ تفسير الرازي : ج ٢ ص ٢١٧.
(٢) إرشاد الطالبين : ص ٣٢٣.