ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) (آل عمران / ٢٠) ، وقال تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) (الشورى / ١٤).
فهذه الشرائع مع اختلافها في بعض الفروع والأحكام نظرا إلى بعض الأحوال والظروف الموضوعية ، تسوق الجميع إلى هدف واحد ، وإنما الاختلاف في المنهج لا في المقصد والغاية ، لذا قال تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) (المائدة / ٤٩).
وقد شرّفنا وامتحننا بالإسلام المبارك (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (آل عمران / ٨٦).
(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) (المائدة / ٤٩).
ويستدل على الخاتمية بأمرين :
الأمر الأول : دليل الحكمة وفيه نقاط :
النقطة الأولى : إنّه بعد كمال الأنبياء في درجاتهم لا بدّ من ظهور الخاتم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وذلك لأنّ الله سبحانه كان ولم يزل في جلال قدسه ، متوحّدا في ربوبيته ، متفرّدا في عظمته ، ليس له شريك في كمال من كمالاته ، ولا صفة من صفاته ، فأول ما تجلّى ، تجلّى بأول مخلوق له به فيه بمعنى أنه سبحانه تجلّى للمخلوق الأول بالصفات والأسماء ـ لا بالذات جلّ وعلا ـ فكان أول تجلّيه سبحانه كاملا في جميع صفاته ، إذ كان صلوات الله عليه وآله أثر الكامل ، وأثر الكامل كامل ، وقد سبق في وجوده جميع الخلق ، وله أثر وكمال لا محالة ، وأثره نوره ، فسطع من وجهه نور لأنّ نوره من نور ربّه ، وهذا النور المقدّس هو نور الأنبياء ، ثم سطع من أنوار وجوههم أيضا أنوار ، وخلق منها الأناسيّ والصالحين منهم ، وكذلك دار الأمر بذلك إلى أن انتهى في قوس النزول إلى الأرض التي هي في آخر القوس ثم في الإقبال إليه سبحانه سبق في الظهور كل ما كان متأخرا ، فأول المقامات في الظهور في الدنيا مقام الجماد ثم من بعد وصوله إلى درجة الكمال