عليهالسلام ، فهو بهذا المعنى خاتم وآخر وذلك لوجود مزية له عليهم ، فلو لم يكن أفضلهم لما تزينوا به كتزين الإنسان بخاتم من عقيق وما شابهه ؛ مضافا إلى أنّ الخاتم وإن أطلق على خاتم الزينة ، إلّا أنّ أصله مأخوذ من الختم أي النهاية والإغلاق تماما كإغلاق باب المنزل أو الرسالة ، وقد استعملت هذه المادة في عدة موارد في القرآن منها قوله تعالى : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (يس / ٦٦) (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (البقرة / ٨).
ولا يراد بالخاتم ـ كما ربما يتوهم ـ أنه يعد زينة الأنبياء من دون أن يكون آخرهم ومن به يختم باب النبوة ، فإن هذا التصور باطل قطعا وذلك لأنّ «خاتم» بمعنى حلقة أو زينة في اليد هو كناية عن كونه آخرهم ، «لأنّ التلبس له لا يمكن إلّا بعد وجود المتلبس فلا يقال : إن هذا خاتم زيد إلّا بعد وجود زيد وتلبسه به ، وعليه كان محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم بمنزلة الخاتم لجميع النبيين ، فمقتضى إضافة الخاتم إليهم ، أنهم جميعهم كانوا قبله موجودين ، فهو متأخر عنهم وآخرهم» (١).
هذا كله بناء على قراءة «خاتم» بالفتح ، أما على قراءتها بالكسر فالأمر واضح لأن «الخاتم» على هذه القراءة هو اسم فاعل بمعنى الآخر ، فهو صلىاللهعليهوآلهوسلم أتم الأنبياء بوجوده وفضائله فلا نبي بعده أبدا.
إشكالان وجوابهما :
الإشكال الأول :
عرفنا أن الآية تقيد كونه صلىاللهعليهوآلهوسلم آخر النبيين لكن لا يعني هذا أنه آخر المرسلين.
الجواب :
إنّ الرسول هو الذي يحمل رسالة من الله إلى الناس ، والنبي هو الذي يحمل نبأ الغيب الذي هو الدين وحقائقه ، ولازم ذلك أن ترتفع الرسالة بارتفاع النبوة ، فإنّ الرسالة من أنباء الغيب ، فإذا انقطعت هذه الأنباء انقطعت الرسالة ، ومن هنا يظهر أنّ كونه صلىاللهعليهوآلهوسلم خاتم النبيين يستلزم كونه خاتما للرسل.
__________________
(١) بداية المعارف الإلهية : ج ١ ص ٢٨٤.