المشركون القدامى ، ومن الجدد سلمان رشدي) بقوله تعالى :
(أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٤) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٣٥)) (الطور / ٣٤ ـ ٣٥).
(وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٢١١) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (٢١٢) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٣)) (الشعراء / ٢١١ ـ ٢١٢ ـ ٢١٣).
والسر في عدم قدرة الجن والإنس على الإتيان بمثل آياته ، يكمن في وجوه الإعجاز فيه وهي كما يلي :
الوجه الأول : فصاحة القرآن :
من أهم عناصر الإعجاز القرآني فصاحته وبلاغته وروعة نظمه وتأليفه وسبك مفرداته وتراكيبه ودقة معانيه وعظمة مبانيه ، فهو عزوجل قد استخدم في كتابه لعرض مقاصده أعذب الألفاظ وأجملها ، وأجود التراكيب سبكا واعتدالا وتأثيرا ، ليوصل المعاني التي يريدها إلى الأذهان ، وهو بهذه الكيفية لا يمكن لأي إنسان أن ينال معانيه إلّا لمن حظي بقسط وافر من معرفة الألفاظ وتراكيبها ، بل لا يتيسّر اختيار أمثال هذه الألفاظ والتراكيب الملائمة والمتناسقة للمعاني العالية والدقيقة ، إلّا لمن كان له إحاطة تامة بكل خصوصيات الألفاظ ودقائق المعاني ، والعلاقات فيما بينها ليمكنه اختيار أفضل الألفاظ والعبارات ، مع ملاحظة كل أبعاد المعاني المقصودة وجوانبها ، وملاحظة مقتضى الحال والمقام ، ومثل هذه الإحاطة العلمية الشاملة لا يمكن توفرها في أي إنسان ، بدون دراسة آداب اللغة العربية ، ومن دون استعانة بما ورد في أخبار النبي وعترته الطاهرة المطهّرة ؛ وأما المقولة المشهورة إنّ كل إنسان يفهم القرآن فلا أساس لها ، وتكذّبها شواهد الاعتبار والوجدان ، فمن لم يمتلك قسطا وافرا من المعرفة في العمومات والخصوصيات والمحكمات والمتشابهات والناسخ والمنسوخ كيف يمكنه أن يعرف حكم الله تعالى في كتابه المليء بما ذكرنا وإلّا لوقع في محذور تفسير الكتاب بالآراء والظنون والأوهام مما يستدعي ذلك نسف القواعد والمرتكزات العقيدية والتشريعية وغيرهما من الأساس ؛ فيوجب ذلك انحرافا عن الدين والكفر بشريعة سيد المرسلين ؛ نعم هناك بعض الآيات يمكن للإنسان العادي تفهّمها لوضوح ألفاظها من دون اشتراط ما ذكرنا لكن فهمه لها يعدّ ناقصا بالقياس إلى من يمتلك الاطّلاع على علوم