ولجميع العالمين فيما لا ينالونه جميعا كالغيب والاختلاف في الحكم والعلم والبيان» (١).
٣ ـ لو كان إعجازه بفصاحته وبلاغته فحسب لكان مات بموت أفراد تلك الفترة التي توفّر فيها أناس على جانب كبير من الفصاحة والبلاغة دون الفترات الزمنية اللاحقة ، حيث تراجع فيها حسّ البلاغة ورهافتها من صدور أكثر أبنائها.
لكن قد يقال : إنّ الإعجاز البلاغي يبقى ببقاء من يعرف خصائص اللغة العربية ولو كانوا قليلين.
... إلى هنا يتضح أن إعجاز القرآن لم يكن بمجرد الفصاحة والبلاغة ، وإن كفى ذلك في الإعجاز والحجة على دعوى الرسالة على أتم الوجوه في المعجزة وأعمّها ، لأنه سبحانه ابتدأ العرب بما يذعنون به يوم ذاك ، وتناله معرفتهم حسب ما عندهم من الأدب الذي برعوا فيه ، فتقوم الحجة عليهم وعلى غيرهم ، ويبقى سائر الإعجاز للفيلسوف والاجتماعي والسياسي المدني يأخذ منها كل منهم بمقدار حظه من الرقي (٢).
والدليل على فصاحة القرآن عند العرب ، ليس قط عجزهم عن الإتيان بمثله ، وإنما لأسلوب عرضه ، إذ ليس هو بالشعر ولا النثر ولا السجع.
وبعبارة : إنّ إعجازه البلاغي يفوق التصوّر بحيث إن بلاغته وقوة بيانه تعجز الآخرين عن الإحاطة بمعانيه الباطنية المتعددة ، فإعجازه يعتبر داخليا أي من داخل معانيه وبطونه ، وليس إعجازه خارجيا قهريا بمعنى أنّ هناك من يقدر على الإتيان بمثل آياته بالفصاحة والبلاغة ، لكنه سبحانه أعجز كلّ من أراد ذلك وصرفه عن معارضته ، ويعبّر عنه ب (الصرفة) أي أن الله تعالى صرف العرب ومنعهم عن المعارضة ، نسب هذا الرأي إلى السيد المرتضى (٣) «قدسسره» والنظّام.
وقد احتج السيد المرتضى على دعواه :
«إن العرب كانوا قادرين على الألفاظ المفردة والمركّبة ، وإنما منعوا عن
__________________
(١) تفسير الميزان : ج ١ ص ٦٠.
(٢) أنوار الهدى للشيخ محمد جواد البلاغي : ص ١٣٥.
(٣) رسائل المرتضى : ج ٢ ص ٣٢٤ وكشف المراد : ص ٣٨٤ وتوضيح المراد للطهراني : ص ٦٦٠.