الوجه الخامس : أميّة النبي :
ذهب جمهور العامة ، وجماعة من الإمامية إلى أنّ أحد وجوه إعجاز القرآن الكريم كون النبي الأكرم أميا لا يحسن القراءة والكتابة قبل البعثة وبعدها ، مستدلين على ذلك بأنّ ما يمتلكه القرآن من معارف عظيمة ، وحقائق هامة ، تفوق قدرة البشر المتعلمين والمتخصصين ، فكيف بمن لا يعرف شيئا من الكتابة وعلوم الكلام ، فيكون القرآن بهذا أحد علائم إعجاز القرآن الكريم.
مضافا إلى ظواهر بعض الآيات والأخبار القابلة للحمل على غير الظاهر ؛ وقالوا : إنّ هدف الآيات التي تنفي التلاوة والكتابة عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم هو قلع جذور الريب والشك من قلوب المبطلين ، إذ لو كان يزاول القراءة والكتابة ، لصحّ ما قيل من أنّه عليه الصلاة والسلام كان قد حصل على أحوال الماضين ، وأقاصيص الأولين بعد سبره لغورها مما يلقي الريب في قلوب ضعفاء الناس بنبوته مفتوحا بمصرعيه (١).
لكن يرد على هذا :
إذا كان الإعجاز القرآني متوقّفا على أن ننسب إلى النبي الأمية والجهل فهذا من أوهن وأضعف الاستدلالات على المطلب ، وذلك لأنّ الأمية ليست من اللوازم الذاتية لإعجاز القرآن المشتمل على العلوم والمغيبات التي يعجز عن معرفتها فطاحل المتعلمين والعلماء والعباقرة ، فالقول بمعرفته صلىاللهعليهوآلهوسلم للقراءة والكتابة لا يقدح بإعجاز القرآن كما توهمه البعض ، وأخذوه أخذ المسلّمات حتى بات القائل بمعرفة النبي لهما من الفسّاق والفجّار.
ولو كانت القراءة والكتابة كفيلتين بأن يأتي الآخرون بمثل هذا القرآن ، لما كان سبحانه قد تحدّى الجميع ، المتعلمين وغيرهم على حدّ سواء ، وليست المسألة مورد اتفاق عند المجمعين كل ما في الأمر أنّ الإجماع دالّ على أنه لم يكن يقرأ ويكتب ، لا أنه لم يكن يعرف القراءة والكتابة ، ويشهد له خروج جماعة عن مورد الإجماع كالمفيد والمرتضى وغيرهما ممن ينص على أن المسألة ليست عن موارد الإجماع ، مضافا إلى أنّ الإجماع مستند على ظواهر بعض الأخبار
__________________
(١) معالم النبوة : ص ٣٢٥ بتصرّف ، والبحار : ج ١٦ ص ٨٣ نقلا عن المرتضى في تنزيه الأنبياء.